فاذكره، وقد أقالك فاشكره، ثم قال الحسن: إنما المرض ضربة سوط من ملك كريم، فأما أن يكون العليل بعد المرض فرسا جوادا، وإما أن يكون حمارا عثورا معقورا. وروى العتبى عن أبيه أيضا قال: كتب الحسن إلى فرقد:
أما بعد فانى أوصيك بتقوى الله، والعمل بما علمك الله، والاستعداد لما وعد الله، مما لا حيلة لأحد في دفعه، ولا ينفع الندم عند نزوله، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الجاهلين، وشمر الساق، فان الدنيا ميدان مسابقة، والغاية الجنة أو النار، فان لي ولك من الله مقاما يسألنى وإياك فيه عن الحقير والدقيق، والجليل والخافى، ولا آمن أن يكون فيما يسألنى وإياك عنه وساوس الصدور، ولحظ العيون، وإصغاء الأسماع. وما أعجز عنه.
وروى ابن قتيبة عنه أنه مر على باب ابن هبيرة فرأى القراء- وكانوا هم الفقهاء- جلوسا على باب ابن هبيرة فقال: طفحتم نعالكم، وبيضتم ثيابكم. ثم أتيتم إلى أبوابهم تسعون؟ ثم قال لأصحابه:
ما ظنكم بهؤلاء الحذاء؟ ليست مجالسهم من مجالس الأتقياء، وإنما مجالسهم مجالس الشرط.
وروى الخرائطى عن الحسن أنه كان إذا اشترى شيئا وكان في ثمنه كسر جبره لصاحبه. ومر الحسن بقوم يقولون: نقص دانق أي عن الدرهم الكامل والدينار الكامل- إما أن يكون درهما ينقص نصفا أو ربعا، والعشرة تسعة ونصف، وقس على هذا، فكان الحسن يستحب جبران هذه الأشياء، وإن كان اشترى السلعة بدرهم ينقص دانقا كمله درهما، أو بتسعة ونصف كملها عشرة، مروءة وكرما. وقال عبد الأعلى السمسار، قال الحسن: يا عبد الأعلى! أما يبيع أحدكم الثوب لأخيه فينقص درهمين أو ثلاثة؟ قلت لا والله ولا دانق واحد، فقال الحسن: إن هذه الأخلاق فما بقي من المروءة إذا؟. قال: وكان الحسن يقول: لا دين إلا بمروءة. وباع بغلة له فقال له المشترى: أما تحط لي شيئا يا أبا سعيد؟ قال لك خمسون درهما، أزيدك؟ قال: لا! رضيت، قال: بارك الله لك.
وروى ابن أبى الدنيا عن حمزة الأعمى قال: ذهبت بى أمى إلى الحسن فقالت: يا أبا سعيد:
ابني هذا قد أحببت أن يلزمك فلعل الله أن ينفعه بك، قال: فكنت أختلف إليه، فقال لي يوما:
يا بنى أدم الحزن على خير الآخرة لعله أن يوصلك إليه، وابك في ساعات الليل والنهار في الخلوة لعل مولاك أن يطلع عليك فيرحم عبرتك فتكون من الفائزين، قال: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكى، وربما جئت إليه وهو يصلى فأسمع بكاءه ونحيبه، فقلت له يوما: إنك تكثر البكاء فقال يا بنى! ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبك؟ يا بنى إن البكاء داع إلى الرحمة، فان استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل لعله تعالى أن يرحمك، فإذا أنت نجوت من النار، وقال: ما هو إلا حلول الدار إما الجنة وإما النار، ما هناك منزل ثالث. وقال: بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر من دموعه