الدر أم خليل. وكان كريما شجاعا حييا دَيِّنًا، ثُمَّ كَانَ مَوْتُهُ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَهُوَ وَاقِفُ المدرسة المعزية بِمِصْرَ وَمَجَازُهَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَشْيَاءِ، وَهِيَ مِنْ دَاخِلٍ لَيْسَتْ بِتِلْكَ الْفَائِقَةِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَلَمَّا قُتِلَ رحمه الله فاتهم مماليكه زوجته أم خليل شجرة الدر به، وقد كان عزم على تزوج ابْنَةِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ بَدْرِ الدِّينِ لُؤْلُؤٍ، فَأَمَرَتْ جواريها أن يمسكنه لها فما زالت تضر به بقباقيبها والجواري يعركن في معاربه حتى مات وهو كذلك، ولما سمعوا مَمَالِيكُهُ أَقْبَلُوا بِصُحْبَةِ مَمْلُوكِهِ الْأَكْبَرِ سَيْفِ الدِّينِ قُطُزَ، فَقَتَلُوهَا وَأَلْقَوْهَا عَلَى مَزْبَلَةٍ غَيْرَ مَسْتُورَةِ الْعَوْرَةِ، بَعْدَ الْحِجَابِ الْمَنِيعِ وَالْمَقَامِ الرَّفِيعِ، وَقَدْ عَلَّمَتْ عَلَى الْمَنَاشِيرِ وَالتَّوَاقِيعِ، وَخَطَبَ الْخُطَبَاءُ بِاسْمِهَا، وَضُرِبَتِ السِّكَّةُ بِرَسْمِهَا، فَذَهَبَتْ فَلَا تُعْرَفُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَيْنِهَا وَلَا رَسْمِهَا قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٣: ٢٦ وَأَقَامَتِ الْأَتْرَاكُ بَعْدَ أُسْتَاذِهِمْ عِزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ التُّرْكُمَانِيِّ، بِإِشَارَةِ أَكْبَرِ مَمَالِيكِهِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ قُطُزَ، وَلَدَهُ نُورَ الدِّينِ عَلِيًّا وَلَقَّبُوهُ الْمَلِكَ الْمَنْصُورَ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ وَضُرِبَتِ السِّكَّةُ بِاسْمِهِ وَجَرَتِ الْأُمُورُ عَلَى مَا يَخْتَارُهُ بِرَأْيِهِ وَرَسْمِهِ.
وَفِيهَا كَانَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الرَّافِضَةِ وأهل السنة، فنهب الْكَرْخُ وَدُورُ الرَّافِضَةِ حَتَّى دُورُ قَرَابَاتِ الْوَزِيرِ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ في ممالأته للتتار. وَفِيهَا دَخَلَتِ الْفُقَرَاءُ الْحَيْدَرِيَّةُ الشَّامَ، وَمِنْ شِعَارِهِمْ لبس الراحى وَالطَّرَاطِيرِ وَيَقُصُّونَ لِحَاهُمْ وَيَتْرُكُونَ شَوَارِبَهُمْ، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ، تَرَكُوهَا لِمُتَابَعَةِ شَيْخِهِمْ حَيْدَرٍ حِينَ أَسَرَهُ الْمَلَاحِدَةُ فَقَصُّوا لِحْيَتَهُ وَتَرَكُوا شَوَارِبَهُ، فَاقْتَدَوْا بِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْذُورٌ مَأْجُورٌ. وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي شَيْخِهِمْ قُدْوَةٌ. وَقَدْ بُنِيَتْ لَهُمْ زَاوِيَةٌ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ قَرِيبًا مِنَ الْعَوْنِيَّةِ. وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ الْمُبَارَكَةِ عُمِلَ عَزَاءُ واقف البادرائية بِهَا الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ البادرائي الْبَغْدَادِيِّ مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ، وَرَسُولِ الْخِلَافَةِ إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَإِصْلَاحِ الْأَحْوَالِ الْمُدْلَهِمَّةِ، وَقَدْ كَانَ فَاضِلًا بَارِعًا رَئِيسًا وَقُورًا مُتَوَاضِعًا، وَقَدِ ابْتَنَى بِدِمَشْقَ مَدْرَسَةً حَسَنَةً مَكَانَ دَارِ الْأَمِيرِ أُسَامَةَ، وَشَرَطَ عَلَى الْمُقِيمِ بِهَا الْعُزُوبَةَ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْفَقِيهُ فِي غَيْرِهَا مِنَ المدارس، وإنما أراد بذلك توفر خاطر الفقيه وجمعه عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، وَلَكِنْ حَصَلَ بِذَلِكَ خَلَلٌ كَثِيرٌ وَشَرٌّ لِبَعْضِهِمْ كَبِيرٌ وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا بُرْهَانُ الدِّينِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ مُدَرِّسُ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَابْنُ مُدَرِّسِهَا، يَذْكُرُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ الْوَاقِفُ فِي أَوَّلِ يوم درس بها وحضر عنده السلطان الناصري، قرأ كتاب الوقف وفيه ولا تدخلها امْرَأَةٌ. فَقَالَ السُّلْطَانُ وَلَا صَبِيٌّ؟ فَقَالَ الْوَاقِفُ: يا مولانا السلطان رَبُّنَا مَا يَضْرِبُ بِعَصَاتَيْنِ. فَإِذَا ذَكَرَ هَذِهِ الحكاية تبسم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute