الكوفي مولدا ومنشأ، كان شاعرا مطبقا، امتدح الخلفاء والوزراء، وهو من بيت مشهور بالأدب والرئاسة والمروءة، قدم بغداد فامتدح المقتفى والمستنجد وابنه المستضيء وابنه الناصر، فولاه النقابة كان شيخا مهيبا، جاوز الثمانين، وقد أورد له ابن الساعي قصائد كثيرة منها:
اصبر على كيد الزمان … فما يدوم على طريقة
سبق القضاء فكن به … راض ولا تطلب حقيقة
كم قد تغلب مرة … وأراك من سعة وضيقه
ما زال في أولاده … يجرى على هذي الطريقة
وفيها توفيت
[الست عذراء بنت شاهنشاه]
ابن أيوب، ودفنت بمدرستها داخل باب النصر، والست خاتون والدة الملك العادل، ودفنت بدارها بدمشق المجاورة لدار أسد الدين شيركوه.
[ثم دخلت سنة أربع وتسعين وخمسمائة]
فيها جمعت الفرنج جموعها وأقبلوا فحاصروا تينين، فاستدعى العادل بنى أخيه لقتالهم، فجاءه العزيز من مصر، والأفضل من صرخند، فأقلعت الفرنج عن الحصن وبلغهم موت ملك الألمان فطلبوا من العادل الهدنة والأمان، فهادنهم ورجعت الملوك إلى أماكنها، وقد عظم المعظم عيسى بن العادل في هذه المرة، واستنابه أبوه على دمشق، وسار إلى ملكه بالجزيرة، فأحسن فيهم السيرة، وكان قد توفى في هذه السنة السلطان صاحب سنجار وغيرها من المدائن الكبار، وهو عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي الأتابكي، كان من خيار الملوك وأحسنهم شكلا وسيرة، وأجودهم طوية وسريرة، غير أنه كان يبخل، وكان شديد المحبة للعلماء، ولا سيما الحنفية، وقد ابتنى لهم مدرسة بسنجار، وشرط لهم طعاما يطبخ لكل واحد منهم في كل يوم، وهذا نظر حسن، والفقيه أولى بهذه الحسنة من الفقير، لاشتغال الفقيه بتكراره ومطالعته عن الفكر فيما يقيته، فعدى على أولاده ابن عمه صاحب الموصل، فأخذ الملك منهم، فاستغاث بنوه بالملك العادل، فرد فيهم الملك ودرأ عنهم الضيم، واستقرت المملكة لولده قطب الدين محمد، ثم سار الملك إلى ماردين فحاصرها في شهر رمضان، فاستولى على ريفها ومعاملتها، وأعجزته قلعتها، فطاف عليها ومشى، وما ظن أحد أنه تملكها، لأن ذلك لم يكن مثبوتا ولا مقدارا.
وفيها ملكت الخزر مدينة بلخ وكسروا الخطا وقهروهم، وأرسل الخليفة إليهم أن يمنعوا خوارزم شاه من دخول العراق، فإنه كان يروم أن يخطب له ببغداد. وفيها حاصر خوارزم شاه مدينة بخارى ففتحها بعد مدة، وقد كانت امتنعت عليه دهرا ونصرهم الخطا، فقهرهم جميعا وأخذها عنوة، وعفا