للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مواكبها، في نحو من ألفى فارس وثلاثين ألف راجل، فبرز إليهم السلطان فيمن معه من الشجعان فاقتتلوا بمرج عكا قتالا عظيما، وهزم جماعة من المسلمين في أول النهار، ثم كانت الدائرة على الفرنج فكانت القتلى بينهم أزيد من سبعة آلاف قتيل، ولما تناهت هذه الوقعة تحول السلطان عن مكانه الأول إلى موضع بعيد من رائحة القتلى، خوفا من الوخم والأذى، وليستريح الخيالة والخيل، ولم يعلم أن ذلك كان من أكبر مصالح العدو المخذول، فإنهم اغتنموا هذه الفرصة فحفروا حول مخيمهم خندقا من البحر محدقا بجيشهم، واتخذوا من ترابه سورا شاهقا، وجعلوا له أبوابا يخرجون منها إذا أرادوا وتمكنوا في منزلهم ذلك الّذي اختاروا وارتادوا، وتفارط الأمر على المسلمين، وقوى الخطب وصار الداء عضالا، وازداد الحال وبالا، اختبارا من الله وامتحانا، وكان رأى السلطان أن يناجزوا بعد الكرة سريعا، ولا يتركوا حتى يطيب البحر فتأتيهم الأمداد من كل صوب، فتعذر عليه الأمر باملال الجيش والضجر، وكل منهم لأمر الفرنج قد احتقر، ولم يدر ما قد حتم في القدر، فأرسل السلطان إلى جميع الملوك يستنفر ويستنصر، وكتب إلى الخليفة بالبث، وبث الكتب بالتحضيض والحث السريع، فجاءته الأمداد جماعات وآحادا، وأرسل إلى مصر يطلب أخاه العادل ويستعجل الأسطول، فقدم عليه فوصل إليه خمسون قطعة في البحر مع الأمير حسام الدين لؤلؤ، وقدم العادل في عسكر المصريين، فلما وصل الاسطول حادت مراكب الفرنج عنه يمنة ويسرة، وخافوا منه، واتصل بالبلد الميرة والعدد والعدد، وانشرحت الصدور بذلك، وانسلخت هذه السنة والحال ما حال بل هو على ما هو عليه ولا ملجأ من الله إلا إليه.

[وفيها توفى من الأعيان.]

[القاضي شرف الدين أبو سعد]

عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبى عصرون أحد أئمة الشافعية، له كتاب الانتصاف، وقد ولى قضاء القضاة بدمشق، ثم أضر قبل موته بعشر سنين، فجعل ولده نجم الدين مكانه بطيب قلبه وقد بلغ من العمر ثلاثا وتسعين سنة ونصفا، ودفن بالمدرسة العصرونية، التي أنشأها عند سويقة باب البريد، قبالة داره، بينهما عرض الطريق، وكان من الصالحين والعلماء العاملين. وقد ذكره ابن خلكان فقال: كان أصله من حديثة عانة الموصل، ورحل في طلب العلم إلى بلدان شتى، وأخذ عن أسعد الميهنى وأبى على الفارقيّ وجماعة، وولى قضاء سنجار وحران، وباشر في أيام نور الدين تدريس الغزالية، ثم انتقل إلى حلب فبنى له نور الدين بحلب مدرسة وبحمص أخرى، ثم قدم دمشق في أيام صلاح الدين، فولى قضاءها في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة إلى أن توفى في هذه السنة، وقد جمع جزءا في قضاء الأعمى، وأنه جائز، وهو خلاف المذهب، وقد حكاه صاحب البيان وجها لبعض الأصحاب. قال: ولم أره في غيره، ولكن حبك الشيء يعمى ويصم، وقد صنف كتبا كثيرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>