وناد كأن جنان الخلد … أعارته من حسنها رونقا
وأعطته من حادثات الزمان … أن لا يلم به موبقا
فأضحى ينبئه على كل ما … بنى مغربا كان أو مشرقا
تظل الوفود به عكفا … ويمسى الضيوف به طرّقا
بقيت له يا جمال الملوك … وذا الفضل مهما أردت البقا
وسالمه فيك ريب الزمان … ووقيت فيه الّذي يتقى
فما والله صدقت هذه الأماني، بل عما قريب اتهمه الخليفة بأنه يكاتب دبيسا فأمر بخراب داره تلك فلم يبق فيها جدار، بل صارت خربة بعد ما كانت قرة العيون من أحسن المقام والقرار، وهذه حكمة الله من تقلب الليل والنهار، وما تجرى بمشيئة الأقدار، وهي حكمته في كل دار بنيت بالأشر والبطر، وفي كل لباس لبس على التيه والكبر والأشر. وقد أورد له ابن الجوزي أشعارا حسنة من نظمه، وكلمات من نثره فمن ذلك قوله:
دع الهوى لا ناس يعرفون به … قد مارسوا الحب حتى أصعبه
أدخلت نفسك فيما لست تجربه … والشيء صعب على من لا يجربه
أمن اصطبار وإن لم تستطع خلدا … فرب مدرك أمر عز مطلبه
أحن الضلوع على قلب يخيرني … في كل يوم يعييني تقلبه
تأرج الريح من نجد يهيجه … ولا مع البرق من نغمات يطربه
وقوله
هذه الخيف وهاتيك منى … فترفق أيها الحادي بنا
واحبس الركب علينا ساعة … نندب الدار ونبكي الدنا
فلذا الموقف أعددت البكا … ولذا اليوم الدموع تقتنى
زماننا كان وكنا جيرة … فأعاد الله ذاك الزمنا
بيننا يوم ائتلاف نلتقي … كان من غير تراضى بيننا
[ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وخمسمائة]
فيها حاصر زنكي دمشق فحصنها الأتابك معين الدين بن مملوك طغتكين، فاتفق موت ملكها جمال الدين محمود بن بورى بن طغتكين، فأرسل معين الدين إلى أخيه مجير الدين أتق، وهو ببعلبكّ فملكه دمشق، فذهب زنكي إلى بعلبكّ فأخذها واستناب عليها نجم الدين أيوب صلاح الدين.
وفيها دخل الخليفة على الخاتون فاطمة بنت السلطان مسعود، وأغلقت بغداد أياما. وفيها نودي للصلاة على رجل صالح فاجتمع الناس بمدرسة الشيخ عبد القادر فاتفق أن الرجل عطس فأفاق،