مَكَّةَ وَتَبِعَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَكَانَ عَلِيٌّ لَمَّا عَزَمَ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ قَدْ نَدَبَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ فأبوا عليه، فطلب عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَحَرَّضَهُ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ، فَقَالَ:
إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ من أهل المدينة، إن خرجوا خرجت على السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَلَكِنْ لَا أَخْرُجُ لِلْقِتَالِ فِي هَذَا الْعَامِ، ثُمَّ تَجَهَّزَ ابْنُ عُمَرَ وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدِمَ إِلَى مَكَّةَ أَيْضًا فِي هَذَا الْعَامِ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الْيَمَنِ، - وَكَانَ عَامِلًا عَلَيْهَا لِعُثْمَانَ-، وَمَعَهُ سِتُّمِائَةِ بَعِيرٍ وستمائة ألف درهم، وقدم لها عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ نَائِبَهَا لِعُثْمَانَ، فَاجْتَمَعَ فِيهَا خَلْقٌ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَامَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي النَّاسِ تَخْطُبُهُمْ وَتَحُثُّهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ، وَذَكَرَتْ مَا افْتَاتَ بِهِ أُولَئِكَ مِنْ قَتْلِهِ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ وَشَهْرٍ حَرَامٍ، وَلَمْ يُرَاقِبُوا جِوَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ. فَاسْتَجَابَ النَّاسُ لَهَا، وَطَاوَعُوهَا عَلَى مَا تراه من الأمر بالمصلحة، وقالوا لها: حيثما ما سرت أسرنا مَعَكِ، فَقَالَ قَائِلٌ نَذْهَبُ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ كَفَاكُمْ أَمْرَهَا، [وَلَوْ قَدِمُوهَا لَغَلَبُوا، وَاجْتَمَعَ الْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُمْ، لِأَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ مَعَهُمْ] [١] وَقَالَ آخَرُونَ: نَذْهَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَطْلُبُ مِنْ عَلِيٍّ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَيُقْتَلُوا، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَذْهَبُ إلى البصرة فنتقوى من لك بالخيل والرجال، ونبدأ بمن هناك من قتلة عثمان. فاتفق الرأى على ذلك وكان بقية أمهات المؤمنين قد وافقن عَائِشَةَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْبَصْرَةِ رَجَعْنَ عَنْ ذَلِكَ وَقُلْنَ: لَا نَسِيرُ إِلَى غَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَجَهَّزَ النَّاسَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ فَأَنْفَقَ فِيهِمْ ستمائة بعير وستمائة ألف درهم وَجَهَّزَهُمُ ابْنُ عَامِرٍ أَيْضًا بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَكَانَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَافَقَتْ عَائِشَةَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَمَنَعَهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَبَى هُوَ أَنْ يَسِيرَ مَعَهُمْ إِلَى غَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَسَارَ النَّاسُ صحبة عائشة في ألف فارس، وَقِيلَ تِسْعِمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَتَلَاحَقَ بِهِمْ آخَرُونَ، فَصَارُوا فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ تُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ عَلَى جَمَلٍ اسْمُهُ عَسْكَرٌ، اشْتَرَاهُ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ عُرَيْنَةَ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ، وَقِيلَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَسَارَ مَعَهَا أمهات المؤمنين إلى ذات عرق ففارقنها لك وَبَكَيْنَ لِلْوَدَاعِ، وَتَبَاكَى النَّاسُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يُسَمَّى يَوْمَ النَّحِيبِ، وَسَارَ النَّاسُ قَاصِدِينَ الْبَصْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ عَنْ أَمْرِ عَائِشَةَ ابن أختها عبد الله ابن الزُّبَيْرِ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يُؤَذِّنُ لِلنَّاسِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَقَدْ مَرُّوا فِي مَسِيرِهِمْ لَيْلًا بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ الْحَوْأَبُ، فَنَبَحَتْهُمْ كِلَابٌ عِنْدَهُ، فَلَمَّا سَمِعَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ قَالَتْ: مَا اسْمُ هذا المكان؟ قَالُوا الْحَوْأَبُ، فَضَرَبَتْ بِإِحْدَى يَدَيْهَا عَلَى الْأُخْرَى وَقَالَتْ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، ٢: ١٥٦ مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً، قَالُوا: وَلِمَ؟ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لِنِسَائِهِ: «لَيْتَ شِعْرِي أَيَّتُكُنَّ الَّتِي تَنْبَحُهَا كِلَابُ
[١] سقط من المصرية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute