إمرة الكوفة ليأتيه بالجنود، وطلب منه طلحة أن يوليه إمرة البصرة، ليأتيه منها بالجنود ليقوى بهم على شوكة هؤلاء الخوارج، وجهلة الأعراب الذين كانوا معهم في قتل عثمان ﵁، فقال لهما:
مهلا على، حتى انظر في هذا الأمر. ودخل عليه المغيرة بن شعبة على إثر ذلك فقال له: إني أرى أن تقر عمالك على البلاد، فإذا أتتك طاعتهم استبدلت بعد ذلك بمن شئت وتركت من شئت، ثم جاءه من الغد فقال له: إني أرى أن تعزلهم لتعلم من يطيعك ممن يعصيك، فعرض ذلك عليّ على ابن عباس فقال: لقد نصحك بالأمس وغشّك اليوم، فبلغ ذلك المغيرة فقال: نعم نصحته فلما لم يقبل غششته ثم خرج المغيرة فلحق بمكة، ولحقه جماعة منهم طلحة والزبير: وكانوا قد استأذنوا عليا في الاعتمار فأذن لهم، ثم إن ابن عباس أشار عليّ على باستمرار نوابه في البلاد، إلى أن يتمكن الأمر، وأن يقر معاوية خصوصا على الشام وقال له: إني أخشى إن عزلته عنها أن يطلبك بدم عثمان ولا آمن طلحة والزبير أن يتكلما عليك بسبب ذلك،
فقال على: إني لا أرى هذا ولكن اذهب أنت إلى الشام فقد وليتكها، فقال ابن عباس لعلى: إني أخشى من معاوية أن يقتلني بعثمان، أو يحبسني لقرابتي منك ولكن اكتب معى إلى معاوية فمنّه وعده، فقال على: والله إن هذا ما لا يكون أبدا، فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين الحرب خدعة كما قال رسول الله ﷺ، فو الله لئن أطعتنى لأوردنهم بعد صدورهم ونهى ابن عباس عليا فيما أشار عليه أن يقبل من هؤلاء الذين يحسّنون إليه الرحيل إلى العراق، ومفارقة المدينة، فأبى عليه ذلك كله، وطاوع أمر أولئك الأمراء من أولئك الخوارج من أهل الأمصار.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة قصد قسطنطين بن هرقل بلاد المسلمين في ألف مركب، فأرسل الله عليه قاصفا من الريح فغرقه الله بحوله وقوته، ومن معه، ولم ينج منهم أحد إلا الملك في شر ذمة قليلة من قومه، فلما دخل صقلّيّة عملوا له حماما فدخله فقتلوه فيه، وقالوا: أنت قتلت رجالنا.
[ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة]
استهلت هذه السنة وقد تولى أمير المؤمنين على بن أبى طالب الخلافة، وولى على الأمصار نوابا، فولى عبد الله بن عباس على اليمن، وولى سمرة بن جندب (١) على البصرة، وعمارة بن شهاب على الكوفة، وقيس بن سعد بن عبادة على مصر، وعلى الشام سهل بن حنيف بدل معاوية، فسار حتى بلغ تبوك فتلقته خيل معاوية، فقالوا: من أنت؟ فقال: أمير، قالوا: على أي شيء؟ قال: على الشام، فقالوا: إن كان عثمان بعثك فحي هلا بك، وإن كان غيره فارجع. فقال: أو ما سمعتم الّذي
(١) ذكر ابن جرير الطبري أن عليا ولى عثمان بن حنيف على البصرة وسيأتي أنه عثمان ابن حنيف.