ويروى أن رسول الله ﷺ لما جالسه بسط له رداءه وقال:«إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه» قال ابن جرير: وفي هذه السنة ولى زياد على خراسان بعد موت الحكم بن عمرو الربيع بن زياد الحارثي ففتح بلخ صلحا، وكانوا قد غلقوها بعد ما صالحهم الأحنف، وفتح قوهستان عنوة، وكان عندها أتراك فقتلهم ولم يبق منهم إلا ترك طرخان، فقتله قتيبة بن مسلم بعد ذلك كما سيأتي. وفي هذه السنة غزا الربيع ما وراء النهر فغنم وسلم، وكان قد قطع ما وراء النهر قبله الحكم بن عمرو، وكان أول من شرب من النهر غلام للحكم، فسقى سيده وتوضأ الحكم وصلى وراء النهر ركعتين ثم رجع، فلما كان الربيع هذا غزا ما وراء النهر فغنم وسلم. وفي هذه السنة حج بالناس يزيد بن معاوية فيما قاله أبو معشر والواقدي، وبعثه رسول الله إلى ذي الخلصة - وكان بيتا تعظمه دوس في الجاهلية - فذكر أنه لا يثبت على الخيل، فضرب في صدره
وقال:«اللهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا» فذهب فهدمه. وفي الصحيحين أنه قال: ما حجبنى رسول الله منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم. وكان عمر بن الخطاب يقول: جرير يوسف هذه الأمة. وقال عبد الملك بن عمير: رأيت جريرا كأن وجهه شقة قمر. وقال الشعبي: كان جرير هو وجماعة مع عمر في بيت. فاشتم عمر من بعضهم ريحا، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: أو نقوم كلما فنتوضأ يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر:
نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام. وقد كان عاملا لعثمان على همدان، يقال إنه أصيبت عينه هناك، فلما قتل عثمان اعتزل عليا ومعاوية، ولم يزل مقيما بالجزيرة حتى توفى بالسراة، سنة إحدى وخمسين، قاله الواقدي، وقيل سنة أربع، وقيل سنة ست وخمسين.
[وأما جعفر بن أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب]
فأسلم مع أبيه حين تلقياه بين مكة والمدينة عام الفتح، فلما ردهما قال أبو سفيان: والله لئن لم يأذن لي عليه لآخذن بيد هذا فأذهبن في الأرض فلا يدرى أين أذهب، فلما بلغ ذلك رسول الله رق له وأذن له وقبل إسلامهما فأسلما إسلاما حسنا، بعد ما كان أبو سفيان يؤذى رسول الله أذى كثيرا، وشهد حنينا، وكان ممن ثبت يومئذ ﵄.
[وأما حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري]
فشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد، وكان من فضلاء الصحابة، وروى أنه رأى جبريل مع رسول الله بالمقاعد يتحدثان بعد خيبر، وأنه رآه يوم بنى قريظة في صورة دحية. وفي الصحيح أن رسول الله ﷺ سمع قراءته في الجنة. قال محمد بن سعد: حدثنا عبد الرحمن بن يونس ثنا محمد بن إسماعيل بن أبى فديك ثنا محمد بن عثمان عن أبيه أن حارثة بن النعمان كان قد كف بصره فجعل خيطا من مصلاه إلى باب حجرته، فإذا جاءه المسكين أخذ من ذلك التمر ثم أخذ يمسك بذلك الخيط حتى