ومن استغنى بالله أمن العدم، ثم تركني ومضى. وقال أبو صالح: مكثت ستة أيام أو سبعة لم آكل ولم أشرب، ولحقني عطش عظيم، فجئت إلى النهر الّذي وراء المسجد فجلست انظر إلى الماء، فتذكرت قوله تعالى ﴿وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ﴾ فذهب عنى العطش، فمكثت تمام العشرة أيام. وقال: مكثت أربعين يوما لم أشرب، ثم شربت، وأخذ رجل فضلتى ثم ذهب إلى امرأته فقال: اشربى فضل رجل قد مكث أربعين يوما لم يشرب الماء. قال أبو صالح: ولم يكن اطلع على ذلك أحد إلا الله ﷿. ومن كلام أبى صالح: الدنيا حرام على القلوب حلال على النفوس، لأن كل شيء يحل لك أن تنظر بعين رأسك إليه يحرم عليك أن تنظر بعين قلبك إليه. وكان يقول: البدن لباس القلب والقلب لباس الفؤاد، والفؤاد لباس الضمير، والضمير لباس السر، والسر لباس المعرفة به. ولأبى صالح مناقب كثيرة ﵀. توفى في جمادى الأولى من هذه السنة والله سبحانه أعلم.
[نم دخلت سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة]
فيها دخل سيف الدولة إلى واسط وقد انهزم عنها البريدي وأخوه أبو الحسين، ثم اختلف الترك على سيف الدولة، فهرب منها قاصدا بغداد، وبلغ أخاه أمير الأمراء خبره فخرج من بغداد إلى الموصل، فنهبت داره. وكانت دولته على بغداد ثلاثة عشر شهرا وخمسة أيام. وجاء أخوه سيف الدولة بعد خروجه منها فنزل بباب حرب، فطلب من الخليفة أن يمده بمال يتقوى به على حرب تورون، فبعث إليه بأربعمائة ألف درهم، ففرقها بأصحابه. وحين سمع بقدوم تورون خرج من بغداد ودخلها تورون في الخامس والعشرين من رمضان، فخلع عليه الخليفة وجعله أمير الأمراء واستقر أمره ببغداد. وعند ذلك رجع البريدي إلى واسط وأخرج من كان بها من أصحاب تورون وكان في أسر تورون غلام سيف الدولة، يقال له ثمال، فأرسله إلى مولاه ليخبره حاله ويرفع أمره عند آل حمدان. وفيها كانت زلزلة عظيمة ببلاد نسا، سقط منها عمارات كثيرة، وهلك بسببها خلق كثير. قال ابن الجوزي: وكان ببغداد في أيلول وتشرين حر شديد يأخذ بالأنفاس. وفي صفر منها ورد الخبر بورود الروم إلى أرزن وميافارقين وأنهم سبوا.
وفي ربيع الآخر منها عقد أبو منصور إسحاق بن الخليفة المتقى عقده على علوية بنت ناصر الدولة بن حمدان، على صداق مائة ألف دينار وألف ألف درهم، وولى العقد على الجارية المذكورة أبو عبد الله محمد بن أبى موسى الهاشمي، ولم يحضر ناصر الدولة، وضرب ناصر الدولة سكة ضرب فيها ناصر الدولة عبد آل محمد.
قال ابن الجوزي: وفيها غلت الأسعار حتى أكل الناس الكلاب ووقع البلاء في الناس، ووافى من الجراد شيء كثير جدا، حتى بيع منه كل خمسين رطلا بالدرهم، فارتفق الناس به في