العلى العظيم، الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير. فسار إليها فحاصرها، وزاحفه أهلها مرات عديدة، وكان آخرها وقعة أن قاتلوا قتالا عظيما، وصمم عليهم معاوية، واجتهد في القتال حتى فتح الله عليه فما انفصل الحال حتى قتل منهم نحوا من ثمانين ألفا، وكمل المائة الألف من الذين انهزموا عن المعركة، وبعث بالفتح والأخماس إلى أمير المؤمنين عمر ﵁.
قال ابن جرير: وفيها كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص بالمسير إلى إيليا، ومناجزة صاحبها فاجتاز في طريقه عند الرملة بطائفة من الروم فكانت.
[وقعة أجنادين]
وذلك أنه سار بجيشه وعلى ميمنته ابنه عبد الله بن عمرو، وعلى ميسرته جنادة بن تميم المالكي، من بنى مالك بن كنانة، ومعه شرحبيل بن حسنة، واستخلف على الأردن أبا الأعور السلمي، فلما وصل إلى الرملة وجد عندها جمعا من الروم عليهم الأرطبون، وكان أدهى الروم وأبعدها غورا، وأنكأها فعلا، وقد كان وضع بالرملة جندا عظيما وبايلياء جندا عظيما، فكتب عمرو إلى عمر بالخبر.
فلما جاءه كتاب عمرو قال: قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، فانظروا عما تنفرج. وبعث عمرو بن العاص علقمة بن حكيم الفراسى، ومسروق بن بلال العكي على قتال أهل إيليا، وأبا أيوب المالكي إلى الرملة، وعليها التذارق، فكانوا بإزائهم ليشغلوهم عن عمرو بن العاص وجيشه، وجعل عمرو كلما قدم عليه أمداد من جهة عمر يبعث منهم طائفة إلى هؤلاء وطائفة إلى هؤلاء. وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على سقطة ولا تشفيه الرسل فوليه بنفسه، فدخل عليه كأنه رسول، فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل حضرته حتى عرف ما أراد، وقال الأرطبون في نفسه: والله إن هذا لعمرو أو أنه الّذي يأخذ عمرو برأيه، وما كنت لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتله. فدعا حرسيا فسارّه فأمره بفتكه فقال: اذهب فقم في مكان كذا وكذا، فإذا مر بك فأقتله، ففطن عمرو ابن العاص فقال للأرطبون: أيها الأمير إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالي لنشهد أموره، وقد أجبت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك ويروا ما رأيت. فقال الأرطبون: نعم! فاذهب فأتنى بهم، ودعا رجلا فسارّه فقال: اذهب إلى فلان فرده. وقام عمرو فذهب إلى جيشه ثم تحقق الأرطبون أنه عمرو بن العاص، فقال: خدعني الرجل، هذا والله أدهى العرب. وبلغت عمر بن الخطاب فقال: لله در عمرو. ثم ناهضة عمرو فاقتتلوا بأجنادين قتالا عظيما، كقتال اليرموك، حتى كثرت القتلى بينهم ثم اجتمعت بقية الجيوش إلى عمرو ابن العاص، وذلك حين أعياهم صاحب إيليا وتحصن منهم بالبلد، وكثر جيشه، فكتب الأرطبون إلى عمرو بأنك صديقي ونظيري أنت في قومك مثلي في قومي، والله لا تفتح من فلسطين شيئا بعد