للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ إِلَى جَانِبِ دِجْلَةَ. عِنْدَ الْمَوْصِلِ امْتِدَادُهُ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشَّمَالِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَارْتِفَاعُهُ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ أَخْضَرُ لِأَنَّ فِيهِ شَجَرًا مِنَ الْبَلُّوطِ وَإِلَى جَانِبِهِ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا قَرْيَةُ الثَّمَانِينَ لِسُكْنَى الَّذِينَ نَجَوْا فِي السَّفِينَةِ مَعَ نُوحٍ عَلَيْهِ السلام في موضعها فيما ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ فِي الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ. أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ١٦: ١٤- ١٧ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ١٦: ١٨ وقال تعالى وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا من فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٣٥: ١٢ وَقَالَ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً ٢٥: ٥٣ وَقَالَ تَعَالَى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ٥٥: ١٩- ٢٠ فَالْمُرَادُ بِالْبَحْرَيْنِ الْبَحْرُ الْمِلْحُ الْمُرُّ وَهُوَ الْأُجَاجُ وَالْبَحْرُ الْعَذْبُ هُوَ هَذِهِ الْأَنْهَارُ السَّارِحَةُ بَيْنَ أَقْطَارِ الْأَمْصَارِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ تَعَالَى وَمن آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ٤٢: ٣٢- ٣٤ وقال تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي في الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ الله لِيُرِيَكُمْ من آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ٣١: ٣١- ٣٢ وَقَالَ تَعَالَى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٢: ١٦٤ فَامْتَنَّ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِمَا خَلَقَ لَهُمْ مِنَ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ فَالْبَحْرُ الْمُحِيطُ بِسَائِرِ أَرْجَاءِ الأرض وما ينبت مِنْهُ فِي جَوَانِبِهَا الْجَمِيعُ مَالِحُ الطَّعْمِ مُرٌّ وَفِي هَذَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ لِصِحَّةِ الْهَوَاءِ إِذْ لَوْ كَانَ حُلْوًا لَأَنْتَنَ الْجَوُّ وَفَسَدَ الْهَوَاءُ بسبب ما يموت فيه من الحيوانات فكان يؤدى الى تفانى بنى آدم ولكن اقتضت الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ.

وَلِهَذَا لَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَحْرِ قَالَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ وَأَمَّا الْأَنْهَارُ فماؤها حلو عذب فرات سائغ شرابها لمن أراد ذلك. وَجَعَلَهَا جَارِيَةً سَارِحَةً يُنْبِعُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>