وروى ابن عساكر عنه قال: كنت أكتب في الليل على ضوء السراج في زمن الرحلة فبينا أنا ذات ليلة إذ وقع شيء على بصرى فلم أبصر معه السراج، فجعلت أبكى على ما فاننى من ذهاب بصرى، وما يفوتني بسبب ذلك من كتابة الحديث، وما أنا فيه من الغربة، ثم غلبتني عيني فنمت فرأيت رسول الله ﷺ فقال: مالك؟ فشكوت إليه ما أنا فيه من الغربة، وما فاتنى من كتابة السنة.
فقال:«أدن منى، فدنوت منه فجعل يده على عيني وجعل كأنه يقرأ شيئا من القرآن». ثم استيقظت فأبصرت وجلست أسبح الله. وقد أثنى عليه أبو زرعة الدمشقيّ والحاكم أبو عبد الله النيسابورىّ، وقال: هو إمام أهل الحديث بفارس، وقدم نيسابور وسمع منه مشايخنا وقد نسبه بعضهم إلى التشيع.
وذكر ابن عساكر أن يعقوب بن الليث صاحب فارس بلغه عنه أنه يتكلم في عثمان بن عفان فأمر بإحضاره فقال له وزيره: أيها الأمير إنه لا يتكلم في شيخنا عثمان بن عفان السجزى، إنما يتكلم في عثمان بن عفان الصحابي، فقال: دعوه ما لي وللصحابى، إني إنما حسبته يتكلم في شيخنا عثمان بن عفان السجزى.
قلت: وما أظن هذا صحيحا عن يعقوب بن سفيان فإنه إمام محدث كبير القدر، وقد كانت وفاته قبل أبى حاتم بشهر في رجب منها بالبصرة ﵀. وقد رآه بعضهم في المنام فقال: ما فعل بك ربك؟ فقال: غفر لى وأمرنى أن أملى الحديث في السماء كما كنت أمليه في الأرض، فجلست للاملاء في السماء الرابعة، وجلس حولي جماعة من الملائكة منهم جبريل يكتبون ما أمليه من الحديث بأقلام الذهب.
[وأما عريب المأمونية]
فقد ترجمها ابن عساكر في تاريخه وحكى عن بعضهم أنها ابنة جعفر البرمكي، سرقت وهي صغيرة عند ذهاب دولة البرامكة، وبيعت فاشتراها المأمون بن الرشيد، ثم روى عن حماد بن إسحاق عن أبيه أنه قال: ما رأيت قط امرأة أحسن وجها منها، ولا أكثر أدبا ولا أحسن غناء وضربا وشعرا ولعبا بالشطرنج والنرد منها، وما تشاء أن تجد خصلة ظريفة بارعة في امرأة إلا وجدتها فيها. وقد كانت شاعرة مطيقة بليغة فصيحة، وكان المأمون يتعشقها ثم أحبها بعده المعتصم، وكانت هي تعشق رجلا يقال له محمد بن حماد، وربما أدخلته إليها في دار الخلافة قبحها الله على ما ذكره ابن عساكر عنها، ثم عشقت صالحا المنذري وتزوجته سرا، وكانت تقول فيه الشعر، وربما ذكرته في شعرها بين يدي المتوكل وهو لا يشعر فيمن هو، فتضحك جواريه من ذلك فيقول: يا سحاقات هذا خير من عملكن. وقد أورد ابن عساكر شيئا كثيرا من شعرها، فمن ذلك قولها لما دخلت على المتوكل تعوده من حمى أصابته فقالت: -