مات لم يجدوا له من المال سوى ثلاثمائة درهم وثيابه وأثاثه، وقد كانت وفاته في هذه السنة ببغداد ودفن في مقابر الشونيزى في تل اليهود. وله خمسون سنة. وقيل ستون سنة، وقيل تسع وخمسون سنة.
وقد رآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس:
تفكر في نبات الأرض وانظر … إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات … بأبصار هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات … بأن الله ليس له شريك
وفي رواية عنه أنه قال: غفر لي بأبيات قلتها وهي تحت وسادتي فجاءوا فوجدوها برقعة في خطه
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة … فلقد علمت أن عفوك أعظم
الأبيات. وقد تقدمت. وفي رواية لابن عساكر قال بعضهم: رأيته في المنام في هيئة حسنة ونعمة عظيمة فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: بماذا وقد كنت مخلطا على نفسك؟ فقال: جاء ذات ليلة رجل صالح إلى المقابر فبسط رداءه وصلى ركعتين قرأ فيهما ألفى قل هو الله أحد ثم أهدى ثواب ذلك لأهل تلك المقابر فدخلت أنا في جملتهم، فغفر الله لي. وقال ابن خلكان:
أول شعر قاله أبو نواس لما صحب أبا أسامة والبة بن الحباب:
حامل الهوى تعب يستخفه الطرب … إن بكى يحق له … ليس ما به لعب
تضحكين لاهية والمحب ينتحب … تعجبين من سقمي … صحتي هي العجب
وقال المأمون: ما أحسن قوله:
وما الناس إلا هالك وابن هالك … وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت … له عن عدو في لباس صديق
قال ابن خلكان: وما أشد رجاءه بربه حيث يقول:
تحمل ما استطعت من الخطايا … فإنك لاقيا ربا غفورا
ستبصر إن قدمت عليه عفوا … وتلقى سيدا ملكا كبيرا
تعض ندامة كفيك مما … تركت مخافة النار الشرورا
[ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائة]
فيها توفى أبو معاوية الضرير أحد مشايخ الحديث الثقات المشهورين. والوليد بن مسلم الدمشقيّ تلميذ الأوزاعي. وفيها حبس الأمين أسد بن يزيد لأجل أنه نقم على الأمين لعبة وتهاونه في أمر الرعية، وارتكابه للصيد وغيره في هذا الوقت. وفيها وجه الأمين أحمد بن يزيد وعبد الله بن حميد ابن قحطبة في أربعين ألفا إلى حلوان لقتال طاهر بن الحسين من جهة المأمون، فلما وصلوا إلى قريب