[وفيها توفى من الأعيان]
[أسعد بن بلدرك الجبريلى]
سمع الحديث وكان شيخا ظريف المذاكرة جيد المبادرة، توفى عن مائة سنة وأربع سنين.
الْحَيْصَ بَيْصَ
سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ [الملقب] شهاب الدين، أبو الفوارس المعروف بحيص بيص، له ديوان شعر مشهور، توفى يوم الثلاثاء خامس شهر شعبان من هذه السنة، وله ثنتان وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَدُفِنَ بِبَابِ التِّبْنِ، وَلَمْ يُعْقِبْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْمُرَاسَلَاتِ بَدِيلٌ، كَانَ يَتَقَعَّرُ فِيهَا وَيَتَفَاصَحُ جِدًّا، فَلَا تُوَاتِيهِ إِلَّا وَهِيَ مُعَجْرَفَةٌ، وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَسُئِلَ أَبُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا سَمِعْتُهُ إِلَّا مِنْهُ، فَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ يَهْجُوهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ ذَلِكَ:
كم تبادى وكم تطيل طرطورك ... وما فيك شعرة من تميم
فكل الضب وأقرط الحنظل اليابس ... واشرب ان شئت يول الظليم
فليس ذا وجه من يضيف ولا يقرى ... وَلَا يَدْفَعُ الْأَذَى عَنْ حَرِيمِ
وَمِنْ شِعْرِ الْحَيْصَ بَيْصَ الْجَيِّدِ:
سَلَامَةُ الْمَرْءِ سَاعَةً عَجَبُ ... وَكُلُّ شَيْءٍ لِحَتْفِهِ سَبَبُ
يَفِرُّ وَالْحَادِثَاتُ تَطْلُبُهُ ... يفر منها ونحوها الهرب
وكيف يَبْقَى عَلَى تَقَلُّبِهِ ... مُسَلَّمًا مَنْ حَيَاتُهُ الْعَطَبُ
وَمِنْ شِعْرِهِ أَيْضًا:
لَا تَلْبَسِ الدَّهْرَ عَلَى غِرَّةٍ ... فَمَا لِمَوْتِ الْحَيِّ مِنْ بُدِّ
وَلَا يخادعك طول البقا ... فتحسب التطويل من خلد
يقرب ما كان آخرا ... مَا أَقْرَبَ الْمَهْدَ مِنَ اللَّحْدِ
وَيَقْرُبُ مِنْ هذا ما ذكره صاحب العقد أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي عِقْدِهِ:
أَلَا إِنَّمَا الدُّنْيَا غُضَارَةُ أَيْكَةٍ ... إِذَا اخْضَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ
وَمَا الدَّهْرُ وَالْآمَالُ إِلَّا فَجَائِعٌ ... عَلَيْهَا وَمَا اللَّذَّاتُ إِلَّا مَصَائِبُ
فَلَا تَكْتَحِلْ عَيْنَاكَ مِنْهَا بِعَبْرَةٍ ... عَلَى ذَاهِبٍ مِنْهَا فَإِنَّكَ ذَاهِبُ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ حَيْصَ بَيْصَ هَذَا فِي ذَيْلِهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَسَمَّعَ عَلَيْهِ دِيوَانَهُ وَرَسَائِلَهُ، وَأَثْنَى عَلَى رَسَائِلِهِ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ، وَقَالَ: كَانَ فِيهِ تِيهٌ وَتَعَاظُمٌ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا مُعْرِبًا، وَكَانَ فَقِيهًا شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ، وَاشْتَغَلَ بِالْخِلَافِ وَعِلْمِ النَّظَرِ، ثُمَّ تَشَاغَلَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالشِّعْرِ، وَكَانَ مَنْ أَخْبَرِ النَّاسِ بِأَشْعَارِ الْعَرَبِ، وَاخْتِلَافِ لُغَاتِهِمْ. قَالَ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الْحَيْصَ بَيْصَ، لِأَنَّهُ رَأَى النَّاسَ فِي حَرَكَةٍ