وفيها كانت وفاة عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعي، أسلم قبل الفتح، وهاجر، وقيل: إنه إنما أسلم عام حجة الوداع، وورد في حديث أن رسول الله دعا له أن يمتعه الله بشبابه، فبقي ثمانين سنة لا يرى في لحيته شعرة بيضاء، ومع هذا كان أحد الأربعة الذين دخلوا على عثمان، ثم صار بعد ذلك من شيعة على، فشهد معه الجمل وصفين، وكان من جملة من أعان حجر بن عدي فتطلبه زياد فهرب إلى الموصل، فبعث معاوية إلى نائيها فوجدوه قد اختفى في غار فنهشته حية فمات فقطع رأسه فبعث به إلى معاوية، فطيف به في الشام وغيرها، فكان أول رأس طيف به. ثم بعث معاوية برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد - وكانت في سجنه - فألقى في حجرها، فوضعت كفها على جبينه ولئمت فمه وقالت: غيبتموه عنى طويلا، ثم أهديتموه إلى قتيلا فأهلا بها من هدية غير قالية ولا مقلية.
[وأما كعب بن مالك الأنصاري السلمي]
شاعر الإسلام فأسلم قديما وشهد العقبة ولم يشهد بدرا كما ثبت في الصحيحين في سياق توبة الله عليه فإنه كان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم من تخلفهم عن غزوة تبوك كما ذكرنا ذلك مفصلا في التفسير، وكما تقدم في غزوة تبوك. وغلط ابن الكلبي في قوله إنه شهد بدرا، وفي قوله إنه توفى قبل إحدى وأربعين، فان الواقدي - وهو أعلم منه - قال توفى سنة خمسين، وقال القاسم بن عدي سنة إحدى وخمسين ﵁.
[المغيرة بن شعبة]
ابن أبى عامر بن مسعود أبو عيسى ويقال أبو عبد الله الثقفي، وعروة بن مسعود الثقفي عم أبيه، كان المغيرة من دهاة العرب، وذوى آرائها، أسلم عام الخندق بعد ما قتل ثلاثة عشر من ثقيف، رجعهم من عند المقوقس وأخذ أموالهم فغرم دياتهم عروة بن مسعود، وشهد الحديبيّة، وكان واقفا يوم الصلح على رأس رسول الله ﷺ بالسيف صلتا، وبعثه رسول الله ﷺ بعد إسلام أهل الطائف هو وأبو سفيان بن حرب فهدما اللات، وقدمنا كيفية هدمهما إياها، وبعثه الصديق إلى البحرين، وشهد اليمامة واليرموك فأصيبت عينه يومئذ، وقيل بل نظر إلى الشمس وهي كاسفة فذهب ضوء عينه، وشهد القادسية، وولاه عمر فتوحا كثيرة، منها همدان وميسان، وهو الّذي كان رسول سعد إلى رستم فكلمه بذلك الكلام البليغ فاستنابه عمر على البصرة، فلما شهد عليه بالزنا ولم يثبت عزله عنها وولاه الكوفة، واستمر به عثمان حينا ثم عزله، فبقي معتزلا حتى كان أمر الحكمين فلحق بمعاوية، فلما قتل على وصالح معاوية الحسن ودخل الكوفة ولاه عليها فلم يزل أميرها حتى مات في هذه السنة على المشهور. قاله محمد بن سعد وغيره. وقال الخطيب: أجمع الناس على ذلك، وذلك في رمضان منها عن سبعين سنة، وقال أبو عبيد: مات سنة تسع وأربعين، وقال:
ابن عبد البر: سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة ست وثلاثين وهو غلط.