عدو - وكان معاوية حازما أيضا - فكتب إليه بما صمم عليه: إني مع على إذ هو أحق بالأمر منك فلما بلغ ذلك معاوية بن أبى سفيان يئس منه ورجع ثم أشاع بعض أهل الشام أن قيس بن سعد يكاتبهم في الباطن ويمالئهم على أهل العراق، وروى ابن جرير أنه جاء من جهته كتاب مزور بمبايعته معاوية والله أعلم بصحته. ولما بلغ ذلك عليا فاتهمه وكتب له أن يغزو أهل خربتا الذين تخلفوا عن البيعة، فبعث إليه يعتذر إليه بأنهم عدد كثير، وهم وجوه الناس. وكتب إليه: إن كنت إنما أمرتنى بهذا لتختبرنى لأنك اتهمتنى، فابعث على عملك بمصر غيري، فبعث على على إمرة مصر الأشتر النخعي، فسار إليها الأشتر النخعي فلما بلغ القلزم شرب شربة من عسل فكان فيها حتفه فبلغ ذلك أهل الشام فقالوا: إن لله جندا من عسل، فلما بلغ عليا مهلك الأشتر بعث محمد بن أبى بكر على إمرة مصر، وقد قيل وهو الأصح إن عليا ولى محمد بن أبى بكر بعد قيس بن سعد، فارتحل قيس إلى المدينة، ثم ركب هو وسهل بن حنيف إلى على فاعتذر إليه قيس بن سعد فعذره على، وشهدا معه صفين كما سنذكره، فلم يزل محمد بن أبى بكر بمصر قائم الأمر مهيبا بالديار المصرية، حتى كانت وقعة صفين، وبلغ أهل مصر خبر معاوية ومن معه من أهل الشام على قتال أهل العراق، وصاروا إلى التحكيم فطمع أهل مصر في محمد بن أبى بكر واجترأوا عليه وبارزوه بالعداوة فكان من أمره ما سنذكره وكان عمرو بن العاص قد بايع معاوية على القيام بطلب دم عثمان، وكان قد خرج من المدينة حين أرادوا حصره لئلا يشهد مهلكه، مع أنه كان متعتبا عليه بسبب عزله له عن ديار مصر وتوليته بدله عليها عبد الله بن سعد بن أبى سرح، فتسرح عن المدينة على تغضب فنزل قريبا من الأردن، فلما قتل عثمان صار إلى معاوية فبايعه على ما ذكرنا.
[فصل في وقعة صفين [بين أهل العراق من أصحاب على، وبين أهل الشام من أصحاب معاوية]
قد تقدم ما رواه الامام أحمد عن إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين. أنه قال:
«هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله ﷺ عشرات الألوف فلم يحضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين» وقال الامام أحمد: حدثنا أمية بن خلد قال لشعبة إن أبا شيبة روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: «شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلا، فقال: كذب أبو شيبة، والله لقد ذاكرنا الحكم في ذلك فما وجدناه شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت؟ وقد قيل إنه شهدها من أهل بدر سهل بن حنيف، وكذا أبو أيوب الأنصاري. قاله شيخنا العلامة ابن تيمية في