للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فساروا إليها، فلما بلغ أهلها قدومهم خرجوا إليهم في ألوف من المقاتلة، فقال لهم الحسين بن معاوية:

علام تقاتلون وقد مات أبو جعفر؟ فقال السري بن عبد الله زعيم أهل مكة: إن بردة جاءتنا من أربع ليال وقد أرسلت إليه كتابا فأنا أنتظر جوابه إلى أربع، فان كان ما تقولون حقا سلمتكم البلد وعليّ مؤنة رجالكم وخيلكم. فامتنع الحسن بن معاوية من الانتظار وأبى إلا المناجزة، وحلف لا يبيت الليلة إلا بمكة، إلا أن يموت. وأرسل إلى السري أن ابرز من الحرم إلى الحل حتى لا تراق الدماء في الحرم. فلم يخرج، فتقدموا إليهم فصافّوهم فحمل عليه الحسن وأصحابه حملة واحدة فهزموهم وقتلوا منهم نحو سبعة، ودخلوا مكة. فلما أصبحوا خطب الحسن بن معاوية الناس وأغراهم بأبي جعفر، ودعاهم إلى محمد بن عبد الله بن حسن المهدي.

[ذكر خروج أخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن]

وظهر بالبصرة أيضا إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وجاء البريد إلى أخيه محمد فانتهى إليه ليلا فاستؤذن له عليه وهو بدار مروان فطرق بابها. فقال: اللهمّ إني أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان. ثم خرج فأخبر أصحابه عن أخيه فاستبشروا جدا وفرحوا كثيرا، وكان يقول للناس بعد صلاة الصبح والمغرب: ادعوا الله لإخوانكم أهل البصرة، وللحسين ابن معاوية بمكة، واستنصروه على أعدائكم.

وأما ما كان من المنصور فأنه جهز الجيوش إلى محمد بن عبد الله بن حسن، صحبة عيسى بن موسى عشرة آلاف فارس من الشجعان المنتخبين، منهم محمد بن أبى العباس السفاح وجعفر بن حنظلة البهراني، وحميد بن قحطبة، وكان المنصور قد استشاره فيه فقال: يا أمير المؤمنين ادع بمن شئت ممن تثق به من مواليك فابعث بهم إلى وادي القرى يمنعونهم من ميرة الشام، فيموت هو ومن معه جوعا، فإنه ببلد ليس فيه مال ولا رجال ولا كراع ولا سلاح. وقدم بين يديه كثير بن الحصين العبديّ وقد قال المنصور لعيسى بن موسى حين ودعه: يا عيسى! إني أبعثك إلى جنبي هذين، فان ظفرت بالرجل فشم سيفك وناد في الناس بالأمان. وإن تغيب فضمنهم إياه حتى يأتوك به، فإنهم أعلم بمذاهبه. وكتب معه كتبا إلى رؤساء قريش والأنصار من أهل المدينة يدفعها إليهم خفية يدعوهم إلى الرجوع إلى الطاعة. فلما اقترب عيسى بن موسى من المدينة بعث الكتب مع رجل فأخذه حرس محمد بن عبد الله بن حسن فوجدوا معه تلك الكتب فدفعوها إلى محمد فاستحضر جماعة من أولئك فعاقبهم وضربهم ضربا شديدا وقيدهم قيودا ثقالا، وأودعهم السجن. ثم إن محمدا استشار أصحابه بالقيام بالمدينة حتى يأتى عيسى بن موسى فيحاصرهم بها، أو أنه يخرج بمن معه فيقاتل أهل العراق؟ فمنهم من أشار بهذا، ومنهم من أشار بذاك، ثم اتفق الرأى على المقام بالمدينة، لأن رسول

<<  <  ج: ص:  >  >>