ببغداد أن دبيسا أقبل إلى بغداد في جيش كثيف، فكتب الخليفة إلى السلطان محمود: لئن لم تكف دبيسا عن القدوم إلى بغداد وإلا خرجنا إليه ونقضنا ما بيننا وبينك من العهود والصلح. وفيها ملك الاتابك زنكي بن آقسنقر مدينة حلب وما حولها من البلاد. وفيها ملك تاج الملوك بورى بن طغتكين مدينة دمشق بعد وفاة أبيه، وقد كان أبوه من مماليك ألب أرسلان، وكان عاقلا حازما عادلا خيرا، كثير الجهاد في الفرنج ﵀. وفيها عمل ببغداد مصلى للعيد ظاهر باب الحلية، وحوط عليه، وجعل فيه قبلة. وحج بالناس قطز الخادم المتقدم ذكره.
[وممن توفى فيها من الأعيان]
[الحسن بن على بن صدقة]
أبو على وزير الخليفة المسترشد، توفى في رجب منها. ومن شعره الّذي أورد له ابن الجوزي وقد بالغ في مدح الخليفة فيه وأخطأ:
وجدت الورى كالماء طعما ورقة … وأن أمير المؤمنين زلاله
وصورت معنى العقل شخصا مصورا … وأن أمير المؤمنين مثاله
فلولا مكان الشرع والدين والتقى … لقلت من الإعظام ﷻ
[الحسين بن على]
ابن أبى القاسم اللامشي، من أهل سمرقند، روى الحديث وتفقه، وكان يضرب به المثل في المناظرة، وكان خيرا دينا على طريقة السلف، مطرحا للتكلف أمارا بالمعروف، قدم من عند الخاقان ملك ما وراء النهر في رسالة إلى دار الخلافة، فقيل له ألا تحج عامك هذا؟ فقال: لا أجعل الحج تبعا لرسالتهم، فعاد إلى بلده فمات في رمضان من هذه السنة عن إحدى وثمانين سنة ﵀.
[طغتكين الاتابك]
صاحب دمشق التركي، أحد غلمان تتش، كان من خيار الملوك وأعدلهم وأكثرهم جهادا للفرنج، وقام من بعده ولده تاج الملوك بورى.
[ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة]
في المحرم منها دخل السلطان محمود إلى بغداد، واجتهد في إرضاء الخليفة عن دبيس، وأن يسلم إليه بلاد الموصل، فامتنع الخليفة من ذلك وأبى أشد الاباء، هذا وقد تأخر دبيس عن الدخول إلى بغداد، ثم دخلها وركب بين الناس فلعنوه وشتموه في وجهه، وقدم عماد الدين زنكي فبذل للسلطان في كل سنة مائة ألف دينار، وهدايا وتحفا، والتزم للخليفة بمثلها على أن لا يولى دبيسا شيئا وعلى أن يستمر زنكي على عمله بالموصل، فأقره على ذلك وخلع عليه، ورجع إلى عمله فملك حلب وحماه، وأسر صاحبها سونج بن تاج الملوك، فافتدى نفسه بخمسين ألف دينار. وفي يوم الاثنين