وكانت ملوك بنى أيوب يتقونه لأنه يرى أنه أحق بالأمر منهم، لأن جده هو الّذي فتح مصر، وأول من ملك منهم، وكانت وفاته ﵀ بحمص، وعمل عزاءه بجامع دمشق عفا الله عنه بمنه.
[القاضي الحوبى شمس الدين أحمد بن خليل]
ابن سعادة بن جعفر الحوبى قاضى القضاة بدمشق يومئذ، وكان عالما بفنون كثيرة من الأصول والفروع وغير ذلك، وكانت وفاته يوم السبت بعد الظهر السابع من شعبان، وله خمس وخمسون سنة بالمدرسة العادلية، وكان حسن الأخلاق جميل المعاشرة، وكان يقول لا أقدر على إيصال المناصب إلى مستحقيها، له مصنفات منها عروض قال فيه أبو شامة:
أحمد بن الخليل أرشده … الله لما أرشد الخليل بن أحمد
ذاك مستخرج العروض وهـ … ذا مظهر السر منه والعود أحمد
وقد ولى القضاء بعد رفيع الدين عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل بن عبد الهادي الحنبلي مع تدريس العادلية، وكان قاضيا ببعلبكّ. فأحضره إلى دمشق الوزير أمين الدين الّذي كان سامريا فأسلم، وزر للصالح إسماعيل، واتفق هو وهذا القاضي على أكل أموال الناس بالباطل. قال أبو شامة: ظهر منه سوء سيرة وعسف وفسق وجور ومصادرة في الأموال. قلت: وقد ذكر غيره عنه أنه ربما حضر يوم الجمعة في المشهد الكمالي بالشباك وهو سكران، وأن قنانى الخمر كانت تكون على بركة العادلية يوم السبت، وكان يعتمد في التركات اعتمادا سيئا جدا، وقد عامله الله تعالى بنقيض مقصوده، وأهلكه الله على يدي من كان سبب سعادته، كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى.
[ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وستمائة]
فيها سلم الصالح إسماعيل صاحب دمشق حصن سعيف أربون لصاحب صيدا الفرنجى، فاشتد الإنكار عليه بسبب ذلك من الشيخ عز الدين بن عبد السلام خطيب البلد، والشيخ أبى عمرو بن الحاجب شيخ المالكية، فاعتقلهما مدة ثم أطلقهما وألزمهما منازلهما، وولى الخطابة وتدريس الغزالية لعماد الدين داود بن عمر بن يوسف المقدسي خطيب بيت الأبار، ثم خرج الشيخان من دمشق فقصد أبو عمرو الناصر داود بالكرك، ودخل الشيخ عز الدين الديار المصرية، فتلقاه صاحبها أيوب بالاحترام والاكرام، وولاه خطابة القاهرة وقضاء مصر، واشتغل عليه أهلها فكان ممن أخذ عنه الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد رحمهما الله تعالى.
وفيها قدم رسول من ملك التتار تولى بن جنكيزخان إلى ملوك الإسلام يدعوهم إلى طاعته