من مماليكهم، فأقام عندهم شهرين ثم أخذوه وساروا به فدخلوا مرو، وهي كرسي مملكة خراسان، فسأله بعضهم أن يجعلها له إقطاعا، فقال سنجر هذا لا يمكن، هذه كرسي المملكة، فضحكوا منه وخرطوا به فنزل عن سرير المملكة ودخل خانقاه، وصار فقيرا من جملة أهلها، وتاب عن الملك واستحوذ أولئك الأتراك على البلاد فنهبوها وتركوها قاعا صفصفا، وأفسدوا في الأرض فسادا عريضا، وأقاموا سليمان شاه ملكا، فلم تطل أيامه حتى عزلوه، وولوا ابن أخت سنجر الخاقان محمود ابن كوخان، وتفرقت الأمور واستحوذ كل إنسان منهم على ناحية من تلك الممالك، وصارت الدولة دولا. وفيها كانت حروب كثيرة بين عبد المؤمن وبين العرب ببلاد المغرب. وفيها أخذت الفرنج مدينة عسقلان من ساحل غزة. وفيها خرج الخليفة إلى واسط في جحفل فأصلح شأنها وعاد إلى بغداد. وحج بالناس فيها قيماز الأرجواني.
[وفيها كانت وفاة]
الشاعرين القرينين الشهيرين في الزمان الأخير.
[بالفرزدق وجرير]
وهما أبو الحسن أحمد بن منير الجونى بحلب، وأبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير القيسراني الحلبي بدمشق، وعلى بن السلار الملقب بالعادل وزير الظاهر صاحب مصر، وهو باني المدرسة بالإسكندرية للشافعية للحافظ أبى طاهر السلفي، وقد كان العادل هذا ضد اسمه، كان ظلوما غشوما حطوما، وقد ترجمه ابن خلكان
[ثم دخلت سنة تسع وأربعين وخمسمائة]
فيها ركب الخليفة المقتفى في جيش كثيف إلى تكريت فحاصر قلعتها، ولقي هناك جمعا من الأتراك والتركمان، فأظفره الله بهم، ثم عاد إلى بغداد.
[ملك السلطان نور الدين الشهيد بدمشق]
وجاءت الأخبار بأن مصر قد قتل خليفتها الظافر، ولم يبق منهم إلا صبي صغير ابن خمس شهور، قد ولوه عليهم ولقبوه الفائز، فكتب الخليفة عهدا إلى نور الدين محمود بن زنكي بالولاية على بلاد الشام والديار المصرية، وأرسله إليها. وفيها هاجت ريح شديدة بعد العشاء فيها نار فخاف الناس أن تكون الساعة، وزلزلت الأرض وتغير ماء دجلة إلى الحمرة، وظهر بأرض واسط بالأرض دم لا يعرف ما سببه، وجاءت الأخبار عن الملك سنجر أنه في أسر الترك، وهو في غاية الذل والإهانة، وأنه يبكى على نفسه كل وقت. وفيها انتزع نور الدين محمود دمشق من يد ملكها نور الدين أرتق، وذلك لسوء سيرته وضعف دولته، ومحاصرة العامة له في القلعة، مع وزيره مؤيد الدولة على بن الصوفي، وتغلب الخادم عطاء على المملكة مع ظلمه وغشمه، وكان الناس يدعون ليلا ونهارا أن يبدلهم بالملك نور الدين، واتفق مع ذلك أن الفرنج أخذوا عسقلان فحزن نور الدين على ذلك،