للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعند ذلك رمتهم الأتراك بالنبال من كل جانب، فقتلوا منهم فوق المائة، ففروا على أعقابهم، وأسر منهم والى الولاة نحوا من ستين رجلا، وأمر بقطع رءوس القتلى وتعليقها في أعناق هؤلاء الأسرى، ونهبت بيوت الفلاحين كلهم، وسلمت إلى مماليك نائب السلطنة لم يفقد منها ما يساوى ثلاثمائة درهم، وكر راجعا إلى بصرى وشيوخ العشيرات معه، فأخبر ابن الأمير صلاح الدين ابن خاص ترك، وكان من جملة أمراء الطبلخانات الذين قاتلوهم بمبسوط ما يخصه وأنه كان إذا أعيا بعض تلك الأسرى من الجرحى أمر المشاعلى بذبحه وتعليق رأسه على بقية الأسرى، وفعل هذا بهم غير مرة حتى أنه قطع رأس شاب منهم وعلق رأسه على أبيه، شيخ كبير، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾، حتى قدم بهم بصرى فشنكل طائفة من أولئك المأسورين وشنكل آخرين ووسط الآخرين وحبس بعضهم في القلعة، وعلق الرءوس على أخشاب نصبها حول قلعة بصرى، فحصل بذلك تنكيل شديد لم يقع مثله في هذا الأوان بأهل حوران، وهذا كله سلط عليهم بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون، فانا لله وإنا إليه راجعون.

انتهى.

[دخول نائب السلطنة الأمير سيف الدين استدمر البحناوي]

في صبيحة يوم الاثنين حادي عشر شعبان من هذه السنة كان دخول الأمير سيف الدين استدمر البحناوي نائبا على دمشق من جهة الديار المصرية، وتلقاه الناس واحتفلوا له احتفالا زائدا وشاهدته حين ترجل لتقبيل العتبة، وبعضده الأمير سيف الدين بيدمر الّذي كان حاجب الحجاب وعين لنيابة حلب المحروسة، فاستقبل القبلة وسجد عند القبلة، وقد بسط له عندها مفارش وصمدة هائلة، ثم إنه ركب فتعضده بيدمر أيضا وسار نحو الموكب فأركب ثم عاد إلى دار السعادة على عادة من تقدمه من النواب. وجاء تقليد الأمير سيف الدين بيدمر من آخر النهار لنيابة حلب المحروسة.

وفي آخر نهار الثلاثاء بعد العصر ورد البريد البشيري وعلى يده مرسوم شريف بنفي القاضي بهاء الدين أبو البقاء وأولاده وأهله إلى طرابلس بلا وظيفة، فشق ذلك عليه وعلى أهليه ومن يليه، وتغمم له كثير من الناس، وسافر ليلة الجمعة وقد أذن له في الاستنابة في جهاته، فاستناب ولده الكبير عز الدين، واشتهر في شوال أن الأمير سيف الدين منجك الّذي كان نائب السلطنة بالشام وهرب ولم يطلع له خبر، فلما كان في هذا الوقت ذكر أنه مسك ببلد بحران من مقاطعة ماردين في زي فقير، وأنه احتفظ عليه وأرسل السلطان قراره، وعجب كثير من الناس من ذلك، ثم لم يظهر لذلك حقيقة وكان الذين رأوه ظنوا أنه هو، فإذا هو فقير من جملة الفقراء يشبهه من بعض الوجوه. واشتهر في ذي القعدة أن الأمير عز الدين فياض بن مهنا ملك العرب، خرج عن طاعة السلطان وتوجه نحو العراق فوردت المراسيم السلطانية لمن بأرض الرحبة من العساكر الدمشقية وهم أربعة مقدمين في

<<  <  ج: ص:  >  >>