وروى عن أمم من التابعين، وحدث عنه خلق من مشايخه وأقرانه وأئمة الإسلام. وهو شيخ المحدثين الملقب فيهم بأمير المؤمنين قاله الثوري. وقال يحيى بن معين: هو إمام المتقين، وكان في غاية الزهد والورع والتقشف والحفظ وحسن الطريقة. وقال الشافعيّ: لولاه ما عرف الحديث بالعراق.
وقال الامام أحمد: كان أمة وحده في هذا الشأن، ولم يكن في زمانه مثله. وقال محمد بن سعد: كان ثقة مأمونا حجة صاحب حديث. وقال وكيع: إني لأرجو أن يرفع الله لشعبة في الجنة درجات بذبه عن حديث رسول الله ﷺ. وقال صالح بن محمد بن حرزة: كان شعبة أول من تكلم في الرجال وتبعه يحيى القطان ثم أحمد وابن معين. وقال ابن مهدي: ما رأيت أعقل من مالك، ولا أشد تقشفا من شعبة، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك، ولا أحفظ للحديث من الثوري. وقال مسلم بن إبراهيم: ما دخلت على شعبة في وقت صلاة الا ورأيته يصلى، وكان أبا للفقراء وأما لهم. وقال النضر ابن شميل: ما رأيت أرحم بمسكين منه، كان إذا رأى مسكينا لا يزال ينظر إليه حتى يغيب عنه.
وقال غيره: ما رأيت أعبد منه لقد عبد الله حتى لصق جلده بعظمه. وقال يحيى القطان: ما رأيت أرق للمسكين منه، كان يدخل المسكين في منزله فيعطيه ما أمكنه. قال محمد بن سعد وغيره: مات في أول سنة ستين ومائة في البصرة عن ثمان وسبعين سنة.
[ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائة]
فيها غزا الصائفة ثمامة بن الوليد فنزل دابق، وجاشت الروم عليه فلم يتمكن المسلمون من الدخول إليها بسبب ذلك. وفيها أمر المهدي بحفر الركايا وعمل المصانع وبناء القصور في طريق مكة وولى يقطين بن موسى على ذلك، فلم يزل يعمل في ذلك إلى سنة إحدى وسبعين ومائة، مقدار عشر سنين، حتى صارت طريق الحجاز من العراق من أرفق الطرقات وآمنها وأطيبها. وفيها وسع المهدي جامع البصرة من قبلته وغربة. وفيها كتب إلى الآفاق أن لا تبقى مقصورة في مسجد جماعة، وأن تقصر المنابر إلى مقدار منبر رسول الله ﷺ، ففعل ذلك في المدائن كلها. وفيها اتضعت منزلة أبى عبيد الله وزير المهدي وظهرت عنده خيانته فضم إليه المهدي من يشرف عليه، وكان ممن ضم إليه إسماعيل بن علية، ثم أبعده وأقصاه وأخرجه من معسكره. وفيها ولى القضاء عافية بن يزيد الأزدي وكان يحكم هو وابن علاثة في عسكر المهدي بالرصافة. وفيها خرج رجل يقال له المقنع بخراسان في قرية في قرى مرو، وكان يقول بالتناسخ واتبعه على ذلك خلق كثير، فجهز إليه المهدي عدة من أمرائه وأنفذ إليه جيوشا كثيرة، منهم معاذ بن مسلم أمير خراسان، وكان من أمره وأمرهم ما سنذكره.
وحج بالناس فيها موسى الهادي بن المهدي. وفيها توفى إسرائيل بن يونس بن إسحاق السبيعي