وَانْصَرَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَيْهَا لِمَكَانِهَا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنَ الْمِيَاهِ ولأنها بئر إسماعيل ابن إِبْرَاهِيمَ وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلِّهَا وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي زَمْزَمَ: إِنَّهَا لَطَعَامُ طُعْمٍ. وَشِفَاءُ سُقْمٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ منه. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَلَفْظُهُ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ. وَرَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عن عبد الرحمن بن أبى الموالي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ. وَلَكِنْ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ضَعِيفٌ وَالْمَحْفُوظُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ إِذَا شَرِبْتَ مِنْ زَمْزَمَ فَاسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَتَنَفَّسْ ثَلَاثًا وَتَضَلَّعْ مِنْهَا فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهمّ إِنِّي لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ. وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي جَدَّدَ حَفْرَ زَمْزَمَ كَمَا قَدَّمْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ حِينَ احْتَفَرَ زَمْزَمَ. قَالَ: لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ. وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا حَوْضَيْنِ حَوْضًا لِلشُّرْبِ، وَحَوْضًا لِلْوُضُوءِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ:
لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ لِيُنَزِّهَ الْمَسْجِدَ عَنْ أَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قَوْلُهُ وَبِلٌّ إِتْبَاعٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْإِتْبَاعُ لَا يَكُونُ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِنَّ بِلَّ بِلُغَةِ حِمْيَرَ مُبَاحٌ ثُمَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النجود انه سمع زرا أَنَّهُ سَمِعَ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ ذلك وهذا صحيح اليهما، وكأنهما يَقُولَانِ ذَلِكَ فِي أَيَّامِهِمَا عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ وَالْإِعْلَامِ بِمَا اشْتَرَطَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ حَفْرِهِ لَهَا فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ كَانَتِ السِّقَايَةُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى ابْنِهِ أَبِي طَالِبٍ مُدَّةً ثُمَّ اتُّفِقَ أَنَّهُ أَمْلَقَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَاسْتَدَانَ مِنْ أَخِيهِ الْعَبَّاسِ عَشَرَةَ آلَافٍ إِلَى الْمَوْسِمِ الْآخَرِ وَصَرَفَهَا أَبُو طَالِبٍ فِي الْحَجِيجِ فِي عَامِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسِّقَايَةِ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِي طَالِبٍ شَيْءٌ فَقَالَ لِأَخِيهِ الْعَبَّاسِ أَسْلِفْنِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا أَيْضًا إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ أُعْطِيكَ جَمِيعَ مَالِكَ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: بِشَرْطِ إِنْ لَمْ تُعْطِنِي تَتْرُكِ السِّقَايَةَ لِي أَكْفِكَهَا فَقَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا جَاءَ الْعَامُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِي طَالِبٍ مَا يُعْطِي الْعَبَّاسَ فَتَرَكَ لَهُ السِّقَايَةَ فَصَارَتْ إِلَيْهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ صَارَتْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ وَلَدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute