للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ينفق ذلك كله في سبيل الله وفي الفقراء والمساكين.

ولما دخل عبد الله بن على - عم السفاح الّذي أجلى بنى أمية عن الشام، وأزال الله سبحانه دولتهم على يده - دمشق فطلب الأوزاعي فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه. قال الأوزاعي:

دخلت عليه وهو على سرير وفي يده خيزرانة والمسوّدة عن يمينه وشماله، معهم السيوف مصلتة - والغمد الحديد - فسلمت عليه فلم يرد ونكت بتلك الخيزرانة التي في يده ثم قال: يا أوزاعي ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد؟ أجهادا ورباطا هو؟ قال: فقلت: أيها الأمير

سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول سمعت محمد بن إبراهيم التيمي يقول سمعت علقمة بن وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه». قال فنكت بالخيزرانة أشد مما كان ينكت، وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم، ثم قال: يا أوزاعي ما تقول في دماء بنى أمية؟ فقلت:

قال رسول الله : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة». فنكت بها أشد من ذلك ثم قال:

ما تقول في أموالهم؟ فقلت: إن كانت في أيديهم حراما فهي حرام عليك أيضا، وإن كانت حلالا فلا تحل لك إلا بطريق شرعي. فنكت أشد مما كان ينكت قبل ذلك ثم قال: ألا نوليك القضاء؟ فقلت: إن أسلافك لم يكونوا يشقون عليّ في ذلك، وإني أحب أن يتم ما ابتدءوني به من الإحسان.

فقال: كأنك تحب الانصراف؟ فقلت: إن ورائي حرما وهم محتاجون إلى القيام عليهنّ وسترهن، وقلوبهن مشغولة بسببي. قال: وانتظرت رأسي أن يسقط بين يدي، فأمرنى بالانصراف. فلما خرجت إذا برسوله من ورائي، وإذا معه مائتا دينار، فقال يقول لك الأمير: استنفق هذه. قال:

فتصدقت بها، وإنما أخذتها خوفا. قال: وكان في تلك الأيام الثلاثة صائما فيقال إن الأمير لما بلغه ذلك عرض عليه الفطر عنده فأبى أن يفطر عنده.

قالوا: ثم رحل الأوزاعي من دمشق فنزل بيروت مرابطا بأهله وأولاده، قال الأوزاعي:

وأعجبنى في بيروت أنى مررت بقبورها فإذا امرأة سوداء في القبور فقلت لها: أين العمارة ياهنتاه؟ فقالت: إن أردت العمارة فهي هذه - وأشارت إلى القبور - وإن كنت تريد الخراب فأمامك وأشارت إلى البلد - فعزمت على الاقامة بها. وقال محمد بن كثير: سمعت الأوزاعي يقول: خرجت يوما إلى الصحراء فإذا رجل جراد وإذا شخص راكب على جرادة منها وعليه سلاح الحديد، وكلما قال بيده هكذا إلى جهة مال الجراد مع يده، وهو يقول: الدنيا باطل باطل باطل، وما فيها باطل

<<  <  ج: ص:  >  >>