نسله قضاة ووزراء وصلحاء، وأدرك الدولتين الأموية والعباسية. وكان نصرانيا فأسلم وحسن إسلامه وكان يكتب بالعربية والفارسية والسريانية، وكان يعرب الكتب بين يدي ربيعة لما ولاه السفاح الأنبار. وفيها توفى:
[عبد الوارث بن سعيد البيروتي أحد الثقات وعافية بن يزيد]
ابن قيس القاضي للمهدي على جانب بغداد الشرقي، هو وابن علاثة، وكانا يحكمان بجامع الرصافة، وكان عافية عابدا زاهدا، ورعا، دخل يوما على المهدي في وقت الظهيرة فقال: يا أمير المؤمنين اعفنى، فقال له المهدي: ولم أعفيك؟ هل اعترض عليك أحد من الأمراء؟ فقال له: لا ولكن كان بين اثنين خصومة عندي فعمد أحدهما إلى رطب السكر - وكأنه سمع أنى أحبه - فأهدى إلى منه طبقا لا يصلح إلا لأمير المؤمنين، فرددته عليه، فلما أصبحنا: وجلسنا إلى الحكومة لم يستويا عندي في قلبي ولا نظري، بل مال قلبي إلى المهدي منهما، هذا مع أنى لم أقبل منه ما أهداه فكيف لو قبلت منه؟ فاعفنى عفا الله عنك فأعفاه. وقال الأصمعي: كنت عند الرشيد يوما وعنده عافية وقد أحضره لأن قوما استعدوا عليه إلى الرشيد، فجعل الرشيد يوقفه على ما قيل عنه وهو يجيب عما يسأله.
وطال المجلس فعطس الخليفة فشمته الناس ولم يشمته عافية، فقال له الرشيد: لم لم تشمتنى مع الناس؟ فقال: لأنك لم تحمد الله، واحتج بالحديث في ذلك. فقال له الرشيد: ارجع لعملك فو الله ما كنت لتفعل ما قيل عنك، وأنت لم تسامحني في عطسة لم أحمد الله فيها. ثم رده ردا جميلا إلى ولايته.
وفيها توفى:
[سيبويه]
إمام النحاة، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر، المعروف بسيبويه، مولى بنى الحارث بن كعب، وقيل مولى آل الربيع بن زياد، وإنما سمى سيبويه لأن أمه كانت ترقصه وتقول له ذلك، ومعنى سيبويه رائحة التفاح، وقد كان في ابتداء أمره يصحب أهل الحديث والفقهاء، وكان يستملى على حماد بن سلمة، فلحن يوما فرد عليه قوله فأنف من ذلك، فلزم الخليل بن أحمد فبرع في النحو، ودخل بغداد وناظر الكسائي. وكان سيبويه شابا حسنا جميلا نظيفا، وقد تعلق من كل علم بسبب، وضرب مع كل أهل أدب بسهم، مع حداثة سنه. وقد صنف في النحو كتابا لا يلحق شأوه، وشرحه أئمة النحاة بعده فانغمروا في لجج بحرة، واستخرجوا من درره، ولم يبلغوا إلى قعره. وقد زعم ثعلب أنه لم ينفرد بتصنيفه، بل ساعده جماعة في تصنيفه نحوا من أربعين نفسا هو أحدهم، وهو أصول الخليل، فادعاه سيبويه إلى نفسه. وقد استبعد ذلك السيرافي في كتاب طبقات النحاة.
قال: وقد أخذ سيبويه اللغات عن أبى الخطاب والأخفش وغيرهما، وكان سيبويه يقول: سعيد بن أبى العروبة، والعروبة يوم الجمعة، وكان يقول: من قال عروبة فقد أخطأ. فذكر ذلك ليونس فقال