للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصر من خشب في المخيم فحاصروه فيه وأحرقوه عليه، فخرج من بابه مستجيرا برسول الخليفة فلم يقبلوا منه، فهرب إلى النيل فانغمر فيه ثم خرج فقتل سريعا شر قتلة وداسوه بأرجلهم ودفن كالجيفة، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. وكان فيمن ضربه البندقداري على كتفه فخرج السيف من تحت إبطه الآخر وهو يستغيث فلا يغاث.

[وممن قتل في هذه السنة فخر الدين يوسف بن الشيخ بن حمويه]

وكان فاضلا دينا مهيبا وقورا خليقا بالملك، كانت الأمراء تعظمه جدا، ولو دعاهم إلى مبايعته بعد الصالح لما اختلف عليه اثنان، ولكنه كان لا يرى ذلك حماية لجانب بنى أيوب، قتلته الداوية من الفرنج شهيدا قبل قدوم المعظم توران شاه إلى مصر، في ذي القعدة، ونهبت أمواله وحواصله وخيوله، وخربت داره ولم يتركوا شيئا من الأفعال الشنيعة البشعة إلا صنعوه به، مع أن الذين تعاطوا ذلك من الأمراء كانوا معظمين له غاية التعظيم. ومن شعره:

عصيت هوى نفسي صغيرا فعند ما … رمتني الليالي بالمشيب وبالكبر

أطعت الهوى عكس القضية ليتني … خلقت كبيرا ثم عدت إلى الصغر

[ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وستمائة]

في ثالث المحرم يوم الأربعاء كان كسر المعظم توران شاه للفرنج على ثغر دمياط، فقتل منهم ثلاثين ألفا وقيل مائة ألف، وغنموا شيئا كثيرا ولله الحمد. ثم قتل جماعة من الأمراء الذين أسروا، وكان فيمن أسر ملك الفرنسيس وأخوه، وأرسلت غفارة ملك الأفرنسيس إلى دمشق فلبسها نائبها في يوم الموكب، وكانت من سقرلاط تحتها فرو سنجاب، فأنشد في ذلك جماعة من الشعراء فرحا بما وقع، ودخل الفقراء كنيسة مريم فأقاموا بها فرحا لما نصر الله تعالى على النصارى، وكادوا أن يخربوها وكانت النصارى ببعلبكّ فرحوا حين أخذت النصارى دمياط، فلما كانت هذه الكسرة عليهم سخموا وجوه الصور، فأرسل نائب البلد فجناهم وأمر اليهود فصفعوهم، ثم لم يخرج شهر المحرم حتى قتل الأمراء ابن أستاذهم توران شاه، ودفنوه إلى جانب النيل من الناحية الأخرى رحمه الله تعالى ورحم أسلافه بمنه وكرمه.

[تمليك الملك المعز عز الدين أيبك التركماني بمصر بعد بنى أيوب، وهذا أول دولة الأتراك]

لما قتل الأمراء البحرية وغيرهم من الصالحية ابن أستاذهم المعظم غياث الدين توران شاه بن الصالح أيوب بن الكامل بن العادل أبى بكر بن نجم الدين أيوب، وكان ملكه بعد أبيه بشهرين كما تقدم بيانه، ولما انفصل أمره بالقتل نادوا فيما بينهم لا بأس لا بأس، واستدعوا من بينهم الأمير عز الدين أيبك التركماني، فملكوه عليهم وبايعوه ولقبوه بالملك المعز، وركبوا إلى القاهرة، ثم بعد خمسة أيام أقاموا

<<  <  ج: ص:  >  >>