للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان جوادا ممدحا كريما وهو الّذي يقول فيه الشاعر:

وما كان قيس هلكه هلك واحد … ولكنه بنيان قوم تهدما

وقال الأصمعي: سمعت أبا عمرو بن العلاء وأبا سفيان بن العلاء يقولان: قيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، لقد اختلفنا إليه في الحكم كما يختلف إلى الفقهاء، فبينا نحن عنده يوما وهو قاعد بفنائه محتب بكسائه أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف فقالوا:

هذا ابنك قتله ابن أخيك، قال: فو الله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه، ثم التفت إلى ابن له في المسجد فقال: أطلق عن ابن عمك، ووار أخاك واحمل إلى أمه مائة من الإبل فإنها غريبة، ويقال إنه لما حضرته الوفاة جلس حوله بنوه - وكانوا اثنين وثلاثين ذكرا - فقال لهم: يا بنى سوّدوا عليكم أكبركم تخلفوا أباكم، ولا تسوّدوا أصغركم فيزدرى بكم أكفاؤكم، وعليكم بالمال واصطناعه فإنه نعم ما يهبه الكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس فإنها من أخس مكسبة الرجل، ولا تنوحوا عليّ فان رسول الله لم ينح عليه، ولا تدفنونى حيث يشعر بكر بن وائل، فانى كنت أعاديهم في الجاهلية. وفيه يقول الشاعر

عليك سلام الله قيس بن عاصم … ورحمته ما شاء أن يترحما

تحية من أوليته منك منة … إذا ذكرت مثلتها تملأ الفما

فما كان قيس هلكه هلك واحد … ولكنه بنيان قوم تهدما

[ثم دخلت سنة ثمان وأربعين]

فيها شتى أبو عبد الرحمن القتبى بالمسلمين ببلاد انطاكية، وفيها غزا عقبة بن عامر بأهل مصر البحر، وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم نائب المدينة.

[ثم دخلت سنة تسع وأربعين]

فيها غزا يزيد بن معاوية بلاد الروم حتى بلغ قسطنطينية ومعه جماعات من سادات الصحابة منهم ابن عمرو ابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري.

وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله قال: «أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم» فكان هذا الجيش أول من غزاها، وما وصلوا إليها حتى بلغوا الجهد. وفيها توفى أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري، و [قيل] لم يمت في هذه الغزوة بل بعدها سنة إحدى أو ثنتين أو ثلاث وخمسين كما سيأتي. وفيها عزل معاوية مروان عن المدينة وولى عليها سعيد بن العاص، فاستقضى سعيد عليها أبا سلمة بن عبد الرحمن.

وفيها شتى مالك بن هبيرة الفزاري بأرض الروم، وفيها كانت غزوة فضالة بن عبيد، وشتى لك، ففتح البلد وغنم شيئا كثيرا. وفيها كانت صائفة عبد الله بن كرز. وفيها وقع الطاعون بالكوفة فخرج

<<  <  ج: ص:  >  >>