قتال أعداء الله، وإن هذا الأمر لم يقع أمر بعد زمن الصحابة أفظع منه، قد قطع هذا الكافر طريق الحج على الناس، وفتك في المسلمين مرة بعد مرة، وإن بيت المال ليس فيه شيء، فاتق الله يا أمير المؤمنين وخاطب السيدة - يعنى أمه - لعل أن يكون عندها شيء ادخرته لشدة، فهذا وقته. فدخل على أمه فكانت هي التي ابتدأته بذلك، وبذلت له خمسمائة ألف دينار، وكان في بيت المال مثلها، فسلمها الخليفة إلى الوزير ليصرفها في تجهيز الجيوش لقتال القرامطة، فجهز جيشا أربعين ألف مقاتل مع أمير يقال له بلبق، فسار نحوهم، فلما سمعوا به أخذوا عليه الطرقات، فأراد دخول بغداد فلم يمكنه، ثم التقوا معه فلم يلبث بلبق وجيشه أن انهزم، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. وكان يوسف بن أبى الساج معهم مقيدا في خيمة فجعل ينظر إلى محل الوقعة، فلما رجع القرمطى قال: أردت أن تهرب؟ فأمر به فضربت عنقه. ورجع القرمطى من ناحية بغداد إلى الأنبار. ثم انصرف إلى هيت فأكثر أهل بغداد الصدقة، وكذلك الخليفة وأمه والوزير شكرا لله على صرفه عنهم. وفيها بعث المهدي المدعى أنه فاطمي ببلاد المغرب ولده أبا القاسم في جيش إلى بلاد منها، فانهزم جيشه وقتل من أصحابه خلق كثير. وفيها اختط المهدي المذكور مدينته المحمدية. وفيها حاصر عبد الرحمن بن الداخل إلى بلاد المغرب الأموي مدينة طليطلة، وكانوا مسلمين، لكنهم نقضوا عهده ففتحها قهرا وقتل خلقا من أهلها.
[وفيها توفى من الأعيان]
[ابن الجصاص الجوهري]
واسمه الحسين بن عبد الله بن الجصاص الجوهري أبو عبد الله البغدادي، كان ذا مال عظيم وثروة واسعة، وكان أصل نعمته من بيت أحمد بن طولون، كان قد جعله جوهر يا له يسوق له ما يقع من نفائس الجواهر بمصر، فاكتسب بسبب ذلك أموالا جزيلة جدا. قال ابن الجصاص: كنت يوما بباب ابن طولون إذ خرجت القهرمانة وبيدها عقد فيه مائة حبة من الجوهر، تساوى كل واحدة ألفى دينار. قالت: أريد أن تأخذ هذا فتخرطه حتى يكون أصغر من هذا الحجم. فان هذا نافر عما يريدونه.
فأخذته منها وذهبت به إلى منزلي وجعلت جواهر أصغر منه تساوى أقل من عشر قيمة تلك بكثير، فدفعتها إليها وفزت أنا بذلك الّذي جاءت به، وأرادت خرطه وإتلافه. فكانت قيمته مائتي ألف دينار. واتفق أنه صودر في أيام المقتدر مصادرة عظيمة، أخذ منه فيها ما يقاوم ستة عشر ألف ألف دينار، وبقي معه من الأموال شيء كثير جدا. قال بعض التجار: دخلت عليه فوجدته يتردد في منزله كأنه مجنون، فقلت له: مالك هكذا؟ فقال: ويحك، أخذ منى كذا وكذا فأنا أحسن أن روحي ستخرج، فعذرته ثم أخذت في تسليته فقلت له: إن دورك وبساتينك وضياعك الباقية تساوى سبعمائة ألف دينار، وأصدقني كم بقي عندك من الجواهر والمتاع؟ فإذا شيء يساوى ثلاثمائة ألف دينار