للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عيسى ما يفعله هذا القرمطى في بلاد الإسلام، وليس له دافع استعفى من الوزارة لضعف الخليفة وجيشه عنه، وعزل نفسه منها، فسعى فيها عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ الْكَاتِبُ الْمَشْهُورُ، فَوَلِيَهَا بِسِفَارَةِ نصر الحاجب والى عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ- بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ- مِنَ الْبَرِيدِ، وَيُقَالُ الْيَزِيدِيُّ لِخِدْمَةِ جَدِّهِ يَزِيدَ بْنِ مَنْصُورٍ الجهيرى. ثُمَّ جَهَّزَ الْخَلِيفَةُ جَيْشًا كَثِيفًا مَعَ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ فَاقْتَتَلُوا مَعَ الْقَرَامِطَةِ فَقَتَلُوا مِنَ الْقَرَامِطَةِ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَسَرُوا مِنْهُمْ طَائِفَةً كَثِيرَةً مِنْ أشرافهم، ودخل بهم مؤنس الخادم بغداد ومعه أعلام من أعلامهم مُنَكَّسَةٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) ٢٨: ٥ الآية. ففرح الناس بذلك فرحا شديدا، وطابت أنفس البغاددة، وانكسر القرامطة الذين كانوا قد نشئوا وفشوا بأرض العراق، وفوّض القرامطة أَمْرَهُمْ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ حُرَيْثُ بْنُ مسعود، وَدَعَوْا إِلَى الْمَهْدِيِّ الَّذِي ظَهَرَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ جد الفاطميين، وهم أدعياء كذبة، كما قد ذكر ذلك غير واحد من الْعُلَمَاءِ.

كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِيهَا وَقَعَتْ وَحْشَةٌ بَيْنَ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ وَالْمُقْتَدِرِ، وسبب ذلك أن نازوكا أَمِيرَ الشُّرْطَةِ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَارُونَ بْنِ عريب- وَهُوَ ابْنُ خَالِ الْمُقْتَدِرِ- فَانْتَصَرَ هَارُونُ عَلَى نَازُوكَ وَشَاعَ بَيْنَ الْعَامَّةِ أَنَّ هَارُونَ سَيَصِيرُ أمير الأمراء. فبلغ ذلك مؤنس الْخَادِمَ وَهُوَ بِالرَّقَّةِ فَأَسْرَعَ الْأَوْبَةَ إِلَى بَغْدَادَ، وَاجْتَمَعَ بِالْخَلِيفَةِ فَتَصَالَحَا، ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ نَقَلَ هَارُونَ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ فَقَوِيَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُمَا، وَانْضَمَّ إِلَى مُؤْنِسٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا، وَانْقَضَتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ ضَعْفِ الْأُمُورِ وَاضْطِرَابِهَا وَكَثْرَةِ الفتن وانتشارها.

وفيها كان مقتل الحسين بْنِ الْقَاسِمِ الدَّاعِي الْعَلَوِيِّ صَاحِبِ الرَّيِّ عَلَى يد صاحب الديلم وسلطانهم مرداويح المجرم قبحه الله.

وفيها توفى مِنَ الْأَعْيَانِ

بُنَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ سَعِيدٍ

أَبُو الْحَسَنِ الزَّاهِدِ، وَيُعْرَفُ بِالْحَمَّالِ، وكانت له كرامات كثيرة، وله منزلة كَبِيرَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنَ السُّلْطَانِ شَيْئًا، وَقَدْ أَنْكَرَ يَوْمًا عَلَى ابْنِ طُولُونَ شَيْئًا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُلْقِي بَيْنَ يَدَيِ الْأَسَدِ، فَكَانَ الْأَسَدُ يشمه ويحجم عنه، فأمر برفعه من بين يديه وعظمه الناس جدا، وسأله بعض الناس عن حاله حين كان بين يدي الأسد فقال له: لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ بَأْسٌ. قَدْ كُنْتُ أُفَكِّرُ في سؤر السباع واختلاف العلماء فيه هل هو طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ. قَالُوا: وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ:

إِنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَدْ ذَهَبَتِ الْوَثِيقَةُ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ يُنْكِرَ الرجل، فأسألك أن تدعو لي بأن يرد الله على الوثيقة. فقال بنان: إني رجل قد كبرت سنى ورق عظمي، وَأَنَا أُحِبُّ الْحَلْوَاءَ، فَاذْهَبْ فَاشْتَرِ لِي مِنْهَا رَطْلًا وَأْتِنِي بِهِ حَتَّى أَدْعُوَ لَكَ. فَذَهَبَ الرجل فاشترى الرطل ثم جاء به إليه فَفَتَحَ الْوَرَقَةَ الَّتِي فِيهَا الْحَلْوَاءَ فَإِذَا هِيَ حجته بالمائة دينار. فقال له: أهذه حجتك؟ قال: نعم. قال: خذ

<<  <  ج: ص:  >  >>