[باب البينة على ذكر معجزات لرسول الله ﷺ مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله، وأعلى منها،]
خارجة عما اختص به من المعجزات العظيمة التي لم يكن لأحد قبله منهم ﵈.
فمن ذلك القرآن العظيم الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فأنه معجزة مستمرة على الآباد، ولا يخفى برهانها، ولا يتفحص مثلها، وقد تحدى به الثقلين من الجن والأنس على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة من مثله، فعجزوا عن ذلك كما تقدم تقرير ذلك في أول كتاب المعجزات، وقد سبق الحديث المتفق على إخراجه
في الصحيحين من حديث الليث بن سعد بن سعيد بن أبى سعيد المقبري عن أبيه عن أبى هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال:
ما من نبي إلا وقد أوتى من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الّذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلى، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة * والمعنى أن كل نبي أوتى من خوارق المعجزات ما يقتضي إيمان من رأى ذلك من أولى البصائر والنهى، لا من أهل العناد والشقاء، وإنما كان الّذي أوتيته، أي جله وأعظمه وأبهره، القرآن الّذي أوحاه الله الىّ، فأنه لا يبيد ولا يذهب كما ذهبت معجزات الأنبياء وانقضت بانقضاء أيامهم، فلا تشاهد، بل يخبر عنها بالتواتر والآحاد، بخلاف القرآن العظيم الّذي أوحاه الله إليه فأنه معجزة متواترة عنه، مستمرة دائمة البقاء بعده، مسموعة لكل من ألقى السمع وهو شهيد * وقد تقدم في الخصائص ذكر ما اختص به رسول الله ﷺ عن بقية إخوانه من الأنبياء ﵈،
كما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأينما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس عامة * وقد تكلمنا على ذلك وما شاكله فيما سلف بما أغنى عن إعادته ولله الحمد. وقد ذكر غير واحد من العلماء أن كل معجزة [لنبي] من الأنبياء فهي معجزة لخاتمهم محمد ﷺ وذلك أن كلا منهم بشر بمبعثه، وأمر بمتابعته، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ وقد ذكر البخاري وغيره عن ابن عباس ﵄ أنه قال: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه العهد والميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به وليتبعنه ولينصرنه * وذكر غير واحد من العلماء أن كرامات الأولياء معجزات للأنبياء،