للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضعف ذلك الأمير الّذي هدمت ناحيته من السور عن مقاومة ما يلقاه من الحصار، فذهب إلى مناطس فسأله نجدة فامتنع أحد من الروم أن ينجده وقالوا: لا نترك ما نحن موكلون في حفظه.

فلما يئس منهم خرج إلى المعتصم ليجتمع به، فلما وصل إليه أمير المعتصم المسلمين أن يدخلوا البلد من تلك الثغرة التي قد خلت من المقاتلة، فركب المسلمون نحوها فجعلت الروم يشيرون إليهم ولا يقدرون على دفاعهم، فلم يلتفت إليهم المسلمون، ثم تكاثروا عليهم ودخلوا البلد قهرا وتتابع المسلمون إليها يكبرون، وتفرقت الروم عن أماكنها فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان حيث وجدوهم، وقد حشروهم في كنيسة لهم هائلة ففتحوها قسرا وقتلوا من فيها وأحرقوا عليهم باب الكنيسة فاحترقت فأحرقوا عن آخرهم، ولم يبق فيها موضع محصن سوى المكان الّذي فيه النائب، وهو مناطس في حصن منيع، فركب المعتصم فرسه وجاء حتى وقف بحذاء الحصن الّذي فيه مناطس فناداه المنادي ويحك يا مناطس! هذا أمير المؤمنين واقف تجاهك. فقالوا: ليس بمناطس هاهنا مرتين. فغضب المعتصم من ذلك وولى فنادى مناطس هذا مناطس هذا مناطس. فرجع الخليفة ونصب السلالم على الحصن وطلعت الرسل إليه فقالوا له: ويحك انزل على حكم أمير المؤمنين. فتمنع ثم نزل متقلدا سيفا فوضع السيف في عنقه ثم جيء به حتى أوقف بين يدي المعتصم فضربه بالسوط على رأسه ثم أمر به أن يمشى إلى مضرب الخليفة مهانا إلى الوطاق الّذي فيه الخليفة نازل، فأوثق هناك. وأخذ المسلمون من عمّورية أموالا لا تحد ولا توصف فحملوا منها ما أمكن حمله، وأمر المعتصم بإحراق ما بقي من ذلك، وبإحراق ما هنالك من المجانيق والدبابات وآلات الحرب لئلا يتقوى بها الروم على شيء من حرب المسلمين، ثم انصرف المعتصم راجعا إلى ناحية طرسوس في آخر شوال من هذه السنة. وكانت إقامته على عمّورية خمسة وعشرين يوما.

[ذكر مقتل العباس بن المأمون]

كان العباس مع عمه المعتصم في غزوة عمّورية، وكان عجيف بن عنبسة قد ندّمه إذ لم يأخذ الخلافة بعد أبيه المأمون بطرسوس حين مات بها، ولامه على مبايعته عمه المعتصم، ولم يزل به حتى أجابه إلى الفتك بعمه وأخذ البيعة من الأمراء له، وجهز رجلا يقال له الحارث السمرقندي وكان نديما للعباس، فأخذ له البيعة من جماعة من الأمراء في الباطن، واستوثق منهم وتقدم إليهم أنه يلي الفتك بعمه، فلما كانوا بدرب الروم وهم قاصدون إلى أنقره ومنها إلى عمّورية، أشار عجيف على العباس أن يقتل عمه في هذا المضيق ويأخذ له البيعة ويرجع إلى بغداد، فقال العباس: إني أكره أن أعطل على الناس هذه الغزوة، فلما فتحوا عمّورية واشتغل الناس بالمغانم أشار عليه أن يقتله فوعده مضيق الدرب إذا رجعوا، فلما رجعوا فطن المعتصم بالخبر فأمر بالاحتفاظ وقوة الحرس وأخذ بالحزم

<<  <  ج: ص:  >  >>