فقال له الوزير: ويحك فماذا أبقيت لفرعون حين قال: أنا ربكم الأعلى؟ وأنه كان يكاتب المازيار بأن يخرج عن الطاعة وأنه في ضيق حتى ينصر دين المجوس الّذي كان قديما ويظهره على دين العرب، وأنه كان يستطيب المنخنقة على المذبوحة، وأنه كان في كل يوم أربعاء يستدعى بشاة سوداء فيضربها بالسيف نصفين ويمشى بينهما ثم يأكلها، فعند ذلك أمر المعتصم بغا الكبير أن يسجنه مهانا ذليلا فجعل يقول: إني كنت أتوقع منكم ذلك.
وفي هذه السنة حمل عبد الله بن طاهر الحسن بن الأفشين وزوجته أترجة بنت أشناس إلى سامرا. وحج بالناس فيها محمد بن داود.
[وفيها توفى من الأعيان]
أصبغ بن الفرج، وسعدويه، ومحمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري، وأبو عمر الجرمي. وأبو دلف العجليّ التميمي الأمير أحد الأجواد.
[وسعيد بن مسعدة]
أبو الحسن الأخفش الأوسط البلخي ثم البصري النحويّ، أخذ النحو عن سيبويه وصنف كتبا كثيرة منها كتاب في معاني القرآن، وكتاب الأوسط في النحو وغير ذلك، وله كتاب في العروض زاد فيه بحر الخبب على الخيل، وسمى الأخفش لصغر عينيه وضعف بصره، وكان أيضا أدلغ، وهو الّذي لا يضم شفتيه على أسنانه، كان أولا يقال له الأخفش الصغير بالنسبة إلى الأخفش الكبير، أبى الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد الهجريّ، شيخ سيبويه وأبى عبيدة، فلما ظهر على بن سليمان ولقب بالأخفش أيضا صار سعيد بن مسعدة هو الأوسط، والهجريّ الأكبر، وعلى ابن سليمان الأصغر. وكانت وفاته في هذه السنة، وقيل سنة إحدى وعشرين ومائتين.
الجرمي النحويّ
وهو صالح بن إسحاق البصري، قدم بغداد وناظر بها الفراء، وكان قد أخذ النحو عن أبى عبيدة وأبى زيد والأصمعي وصنف كتابا منها الفرخ - يعنى فرخ كتاب سيبويه - وكان فقيها فاضلا نحويا بارعا عالما باللغة حافظا لها، دينا ورعا حسن المذهب، صحيح الاعتقاد وروى الحديث. ذكره ابن خلكان وروى عنه المبرد، وذكره أبو نعيم في تاريخ أصبهان.
[ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائتين]
في شعبان منها توفى الأفشين في الحبس فأمر به المعتصم فصلب ثم أحرق وذرى رماده في دجلة واحتيط على أمواله وحواصله فوجدوا فيها أصناما مكللة بذهب وجواهر، وكتبا في فضل دين المجوس وأشياء كثيرة كان يتهم بها، تدل على كفره وزندقته، وتحقق بسببها ما ذكر عنه من الانتماء إلى