والربيع بن يونس الحاجب مولى المنصور، وكان حاجبه ووزيره، وقد وزر للمهدي والهادي، وكان بعضهم يطعن في نسبه. وقد أورد الخطيب في ترجمته حديثا من طريقه ولكنه منكر، وفي صحته عنه نظر. وقد ولى الحجوبية بعده ولده الفضل بن الربيع، ولاه إياها الهادي.
ثم دخلت سنة سبعين ومائة من الهجرة النبويّة
وفيها عزم الهادي على خلع أخيه هارون الرشيد من الخلافة وولاية العهد لابنه جعفر بن الهادي فانقاد هارون لذلك ولم يظهر منازعة بل أجاب، واستدعى الهادي جماعة من الأمراء فأجابوه إلى ذلك، وأبت ذلك أمهما الخيزران، وكانت تميل إلى ابنها هارون أكثر من موسى، وكان الهادي قد منعها من التصرف في شيء من المملكة لذلك، بعد ما كانت قد استحوذت عليه في أول ولايته، وانقلبت الدول إلى بابها والأمراء إلى جنابها، فحلف الهادي لئن عاد أمير إلى بابها ليضربن عنقه ولا يقبل منه شفاعة، فامتنعت من الكلام في ذلك، وحلفت لا تكلمه أبدا، وانتقلت عنه إلى منزل آخر. وألح هو على أخيه هارون في الخلع وبعث إلى يحيى بن خالد بن برمك - وكان من أكابر الأمراء الذين هم في صف الرشيد - فقال له: ماذا ترى فيما أريد من خلع هارون وتولية ابني جعفر؟ فقال له خالد: إني أخشى أن تهون الايمان على الناس، ولكن المصلحة تقتضي أن تجعل جعفرا ولى العهد من بعد هارون، وأيضا فانى أخشى أن لا يجيب أكثر الناس إلى البيعة لجعفر، لأنه دون البلوغ، فيتفاهم الأمر ويختلف الناس. فأطرق مليا - وكان ذلك ليلا - ثم أمر بسجنه ثم أطلقه. وجاء يوما إليه أخوه هارون الرشيد فجلس عن يمينه بعيدا، فجعل الهادي ينظر إليه مليا ثم قال: يا هارون! تطمع أن تكون وليا للعهد حقا؟ فقال: إي والله، ولئن كان ذلك لأصلن من قطعت، ولأنصفن من ظلمت، ولأزوجن بنيك من بناتي. فقال ذاك الظن بك. فقام إليه هارون ليقبل يده فحلف الهادي ليجلس معه على السرير فجلس معه، ثم أمر له بألف ألف دينار، وأن يدخل الخزائن فيأخذ منها ما أراد، وإذا جاء الخراج دفع إليه نصفه. ففعل ذلك كله ورضى الهادي عن الرشيد. ثم سافر الهادي إلى حديثه الموصل بعد الصلح، ثم عاد منها فمات بعيساباذ ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول، وقيل لآخر سنة سبعين ومائة، وله من العمر ثلاث وعشرون سنة، وكانت خلافته ستة أشهر (١) وثلاثة وعشرون يوما. وكان طويلا جميلا، أبيض، بشفته العليا تقلص.
وقد توفى هذه الليلة خليفة وهو الهادي، وولى خليفة وهو الرشيد، وولد خليفة وهو المأمون بن الرشيد. وقد قالت الخيزران أمهما في أول الليل: إنه بلغني أن يولد خليفة ويموت خليفة ويولى خليفة. يقال إنها سمعت ذلك من الأوزاعي قبل ذلك بمدة، وقد سرها ذلك جدا. ويقال: إنها