للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُخْرَى خَارِجَ الدَّارِ، فَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ لَيْلَتَهُ حَتَّى أصبح، فقيل له فيم تفكرت ليلتك؟ فقال:

تَفَكَّرْتُ فِي بِشْرٍ النَّصْرَانِيِّ وَبِشْرٍ الْيَهُودِيِّ وَبِشْرٍ المجوسي وفي نفسي لأن اسمى بشر، فقلت في نفسي: ما الّذي سبق لي من الله حتى خصنى بالإسلام من بينهم؟ فتفكرت في فضل الله على وحمدته أن هداني للإسلام، وجعلني ممن خصه به، وألبسنى لباس أحبابه. وقد ترجمه ابْنُ عَسَاكِرَ فَأَطْنَبَ وَأَطْيَبَ وَأَطَالَ مِنْ غَيْرِ ملال، وقد ذكر له أَشْعَارًا حَسَنَةً، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:

تَعَافُ الْقَذَى فِي الْمَاءِ لَا تَسْتَطِيعُهُ ... وَتَكْرَعُ مِنْ حَوْضِ الذُّنُوبِ فَتَشْرَبُ

وَتُؤْثِرُ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ أَلَذَّهُ ... وَلَا تَذْكُرُ الْمُخْتَارَ مِنْ أَيْنَ يَكْسِبُ

وَتَرْقُدُ يَا مِسْكِينُ فَوْقَ نَمَارِقٍ ... وَفِي حَشْوِهَا نَارٌ عَلَيْكَ تَلَهَّبُ

فَحَتَّى مَتَى لَا تَسْتَفِيقُ جَهَالَةً ... وَأَنْتَ ابْنُ سَبْعِينَ بِدِينِكَ تلعب

وممن توفى فيها أحمد بن يونس. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ. وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ صاحب السنن المشهورة التي لا يشاركه فيها إِلَّا الْقَلِيلُ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الدُّولَابِيُّ. وَلَهُ سُنَنٌ أَيْضًا. وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ. وَأَبُو الْهُذَيْلِ العلاف المتكلم المعتزلي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ ومائتين

في رمضان منها خلع الْوَاثِقُ عَلَى أَشْنَاسَ الْأَمِيرِ، وَتَوَجَّهَ وَأَلْبَسَهُ وِشَاحَيْنِ من جوهر وحج بالناس فيها مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْأَمِيرُ. وَغَلَا السِّعْرُ عَلَى النَّاسِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ جِدًّا، وَأَصَابَهُمْ حَرٌّ شديد وهم بعرفة، ثم أعقبه برد شديد ومطر عظيم، كل ذلك فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَنَزَلَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ بِمِنًى مَطَرٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، وَسَقَطَتْ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَبَلِ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَقَتَلَتْ جَمَاعَةً مِنَ الْحُجَّاجِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِيهَا مَاتَ أَبُو الحسن المدائني أحد أئمة هذا الشأن فِي مَنْزِلِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ. وَحَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ الطَّائِيُّ أَبُو تَمَّامٍ الشَّاعِرُ.

قُلْتُ أما أبو الحسن المدائني فاسمه على بن الْمَدَائِنِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَإِمَامُ الْأَخْبَارِيِّينَ في زمانه، وقد قدمنا ذكر وفاته قبل هذه السنة. وأما

أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ الشَّاعِرُ

صَاحِبُ الْحَمَاسَةِ الَّتِي جمعها في فضل النساء بهمدان فِي دَارِ وَزِيرِهَا. فَهُوَ حَبِيبُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْأَشَجِّ بْنِ يحيى أبو تمام الطائي الشاعر الأديب. وَنَقَلَ الْخَطِيبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الصُّولِيِّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَبُو تَمَّامٍ حَبِيبُ بْنُ تَدْرُسَ النَّصْرَانِيِّ، فَسَمَّاهُ أبوه حبيب أوس بَدَلَ تَدْرُسَ. قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: وَأَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةِ جَاسِمٍ مِنْ عَمَلِ الْجَيْدُورِ بِالْقُرْبِ مِنْ طَبَرِيَّةَ، وَكَانَ بِدِمَشْقَ يَعْمَلُ عِنْدَ حَائِكٍ، ثُمَّ سار به إِلَى مِصْرَ فِي شَبِيبَتِهِ. وَابْنُ خِلِّكَانَ أَخَذَ ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>