من تاريخ ابن عساكر، وقد ترجم له أبو تمام ترجمة حسنة. قال الخطيب: وَهُوَ شَامِيُّ الْأَصْلِ، وَكَانَ بِمِصْرَ فِي حَدَاثَتِهِ يَسْقِي الْمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، ثُمَّ جَالَسَ بعض الأدباء فاخذ عنهم وَكَانَ فَطِنًا فَهْمًا، وَكَانَ يُحِبُّ الشِّعْرَ فَلَمْ يَزَلْ يُعَانِيهِ حَتَّى قَالَ الشِّعْرَ فَأَجَادَ، وَشَاعَ ذكره وَبَلَغَ الْمُعْتَصِمَ خَبَرُهُ فَحَمَلَهُ إِلَيْهِ وَهُوَ بِسُرَّ من رأى، فعمل فيه قصائد فأجازه وقدمه على شعراء وقته، مقدم بَغْدَادَ فَجَالَسَ الْأُدَبَاءَ وَعَاشَرَ الْعُلَمَاءَ، وَكَانَ مَوْصُوفًا بالظرف وحسن الأخلاق. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ أخبارا بسنده. قال ابن خلكان: كان يحفظ أربعة عشر أَلْفَ أُرْجُوزَةٍ لِلْعَرَبِ غَيْرَ الْقَصَائِدِ وَالْمَقَاطِيعِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَانَ يُقَالُ: فِي طيِّئ ثَلَاثَةٌ: حَاتِمٌ فِي كَرَمِهِ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ فِي زُهْدِهِ، وَأَبُو تمام في شعره. وَقَدْ كَانَ الشُّعَرَاءُ فِي زَمَانِهِ جَمَاعَةً فَمِنْ مشاهيرهم أبو الشيص، ودعبل، وابن أبى قيس، وكان أَبُو تَمَّامٍ مِنْ خِيَارِهِمْ دِينًا وَأَدَبًا وَأَخْلَاقًا. وَمِنْ رَقِيقِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: -
يَا حَلِيفَ النَّدَى ويا معدن الجود ... ويا خير من حويت القريضا
ليت حماك بى وكان لك الأجر ... فَلَا تَشْتَكِي وَكُنْتُ الْمَرِيضَا
وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ أَنَّ أبا تمام توفى في سنة إحدى وثلاثين وَمِائَتَيْنِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ فاللَّه أَعْلَمُ. وَكَانَتْ وفاته بالموصل، وبنيت على قبره قبة، وقد رثاه الوزير محمد بن عبد الملك الزيات فقال:
نَبَأٌ أَتَى مِنْ أَعْظَمِ الْأَنْبَاءِ ... لَمَّا أَلَمَّ مُقَلْقَلَ الْأَحْشَاءِ
قَالُوا حَبِيبٌ قَدْ ثَوَى فَأَجَبْتُهُمْ ... نَاشَدْتُكُمْ لَا تَجْعَلُوهُ الطَّائِي
وَقَالَ غَيْرُهُ:
فُجِعَ الْقَرِيضُ بِخَاتَمِ الشُّعَرَاءِ ... وَغَدِيرُ رَوْضَتِهَا حَبِيبٌ الطَّائِي
ماتا معا فتجاورا في حفرة ... وكذلك كَانَا قَبْلُ فِي الْأَحْيَاءِ
وَقَدْ جَمَعَ الصُّولِيُّ شِعْرَ أَبِي تَمَّامٍ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ. قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: وَقَدِ امْتَدَحَ أَحْمَدَ بْنَ الْمُعْتَصِمِ وَيُقَالُ ابْنَ الْمَأْمُونِ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
إِقْدَامُ عَمْرٍو فِي سَمَاحَةِ حَاتِمٍ ... فِي حِلْمِ أَحْنَفَ فِي ذَكَاءِ إِيَاسِ
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: أَتَقُولُ هَذَا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ أَكْبَرُ قدرا من هؤلاء؟ فإنك ما زدت على أن شبهته بأجلاف من العرب البوادي. فأطرق إطراقة ثم رفع رأسه فقال:
لَا تُنْكِرُوا ضَرْبِي لَهُ مَنْ دُونَهُ ... مَثَلًا شرودا به فِي النَّدَى وَالْبَاسِ
فاللَّه قَدْ ضَرَبَ الْأَقَلَّ لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس
قال: فلما أخذوا الْقَصِيدَةَ لَمْ يَجِدُوا فِيهَا هَذَيْنَ الْبَيْتَيْنِ، وَإِنَّمَا قالهما ارتجالا. قال: ولم يعش بعد هذا إلا قليلا حتى مات. وقيل إن الخليفة أعطاه الموصل لما مدحه بهذه القصيدة، فأقام بها أربعين