لَهُ الْخَيْرُ فِي مَعَادِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ في كتابه: (وَسْئَلُوا الله من فَضْلِهِ) ٤: ٣٢. وَقَالَ تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ٢: ١٨٦. وَعَنِ الْوَضَّاحِ بْنِ مَعْبَدٍ الطَّائِيِّ قَالَ: وَفَدَ حاتم الطائي على النعمان ابن الْمُنْذِرِ فَأَكْرَمَهُ وَأَدْنَاهُ ثُمَّ زَوَّدَهُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ جملين ذَهَبًا وَوَرِقًا غَيْرَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ طَرَائِفِ بَلَدِهِ فَرَحَلَ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى أَهْلِهِ تَلَقَّتْهُ أَعَارِيبُ طيِّئ. فَقَالَتْ: يَا حَاتِمُ أَتَيْتَ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ وَأَتَيْنَا مِنْ عِنْدِ أَهَالِينَا بِالْفَقْرِ فَقَالَ: حَاتِمٌ هَلُمَّ فَخُذُوا مَا بَيْنَ يَدِيَّ فَتَوَزَّعُوهُ فَوَثَبُوا إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ حِبَاءِ النُّعْمَانِ فَاقْتَسَمُوهُ. فَخَرَجَتْ إِلَى حَاتِمٍ طَرِيفَةُ جَارِيَتُهُ فَقَالَتْ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَبْقِ عَلَى نَفْسِكَ، فَمَا يَدَعُ هَؤُلَاءِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا. فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
قَالَتْ طُرَيْفَةُ مَا تَبْقَى دَرَاهِمُنَا ... وَمَا بِنَا سَرَفٌ فِيهَا وَلَا خَرَقُ
إِنْ يَفْنَ مَا عِنْدَنَا فاللَّه يَرْزُقُنَا ... مِمَّنْ سِوَانَا وَلَسْنَا نَحْنُ نَرْتَزِقُ
مَا يَأْلَفُ الدِّرْهَمُ الْكَارِيُّ خِرْقَتَنَا ... إِلَّا يَمُرُّ عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْطَلِقُ
إِنَّا إِذَا اجْتَمَعَتْ يَوْمًا دَرَاهِمُنَا ... ظَلَّتْ إِلَى سُبُلِ الْمَعْرُوفِ تَسْتَبِقُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قِيلَ لِحَاتِمٍ هَلْ فِي الْعَرَبِ أَجْوَدُ مِنْكَ. فَقَالَ: كُلُّ الْعَرَبِ أَجْوَدُ مِنِّي ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ. قَالَ: نَزَلْتُ عَلَى غُلَامٍ مِنَ الْعَرَبِ يَتِيمٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَكَانَتْ لَهُ مِائَةٌ مِنَ الْغَنَمِ فَذَبَحَ لِي شَاةً مِنْهَا وَأَتَانِي بِهَا فَلَمَّا قَرَّبَ إِلَيَّ دِمَاغَهَا قُلْتُ: مَا أَطْيَبَ هَذَا الدِّمَاغَ قَالَ فَذَهَبَ فَلَمْ يَزَلْ يَأْتِينِي مِنْهُ حَتَّى قُلْتُ قَدِ اكْتَفَيْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ إِذَا هُوَ قَدْ ذَبَحَ الْمِائَةَ شَاةٍ وَبَقِيَ لَا شَيْءَ لَهُ؟ فَقِيلَ فَمَا صَنَعْتَ بِهِ فَقَالَ: وَمَتَى أَبْلُغُ شُكْرَهُ وَلَوْ صَنَعْتُ بِهِ كُلَّ شَيْءٍ. قَالَ: عَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَالَ أَعْطَيْتُهُ مِائَةَ نَاقَةٍ مِنْ خِيَارِ إِبِلِي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ ابْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ وَمَشْيَخَةٌ مِنْ مَشْيَخَةِ طيِّئ. قالوا: كانت عنترة [١] بِنْتُ عَفِيفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَمُّ حَاتِمِ طيِّئ لَا تُمْسِكُ شَيْئًا سَخَاءً وَجُودًا، وَكَانَ إِخْوَتُهَا يَمْنَعُونَهَا فَتَأْبَى وَكَانَتِ امْرَأَةً مُوسِرَةً فَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ سَنَةً يُطْعِمُونَهَا قُوتَهَا لَعَلَّهَا تَكُفُّ عَمَّا تَصْنَعُ. ثُمَّ أَخْرَجُوهَا بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ ظَنُّوا أَنَّهَا قَدْ تَرَكَتْ ذَلِكَ الْخُلُقَ فَدَفَعُوا إِلَيْهَا صِرْمَةً مِنْ مَالِهَا وَقَالُوا اسْتَمْتِعِي بِهَا، فَأَتَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ هَوَازِنَ وَكَانَتْ تَغْشَاهَا فَسَأَلَتْهَا فَقَالَتْ: دُونَكِ هَذِهِ الصِّرْمَةَ فَقَدْ وَاللَّهِ مَسَّنِي مِنَ الْجُوعِ مَا آلَيْتُ أَنْ لَا أَمْنَعَ سَائِلًا ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:
لَعَمْرِي لقد ما عَضَّنِي الْجُوعُ عَضَّةً ... فَآلَيْتُ أَنْ لَا أَمْنَعَ الدَّهْرَ جَائِعًا
فَقُولَا لِهَذَا اللَّائِمِي الْيَوْمَ أَعْفِنِي ... وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَعَضَّ الْأَصَابِعَا
فَمَاذَا عَسَاكُمْ أَنْ تَقُولُوا لِأُخْتِكُمْ ... سِوَى عَذْلِكُمْ أَوْ عَذَلِ مَنْ كَانَ مَانِعًا
وَمَاذَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ إِلَّا طَبِيعَةً ... فَكَيْفَ بِتَرْكِي يَا ابْنَ أُمِّي الطبائعا
[١] كذا في الأصل. وفي مكارم الأخلاق للخرائطى: غنية بنت عفيف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute