أكثر الأتراك أبا الحسين البريدي لسوء سيرته، وقبح سريرته قبحه الله، وقصدوا الخليفة وابن حمدان فتقوى بهم، وركب هو والخليفة إلى بغداد، فلما اقتربوا منها هرب عنها أبو الحسين أخو البريدي فدخلها المتقى ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة، وذلك في شوال منها، ففرح المسلمون فرحا شديدا.
وبعث الخليفة إلى أهله - وقد كان أخرجهم إلى سامرا - فردهم، وتراجع أعيان الناس إلى بغداد بعد ما كانوا قد ترحلوا عنها. ورد الخليفة أبا إسحاق الفزاري إلى الوزارة وولى توزون شرطة جانبي بغداد، وبعث ناصر الدولة أخاه سيف الدولة في جيش وراء أبى الحسين أخى البريدي، فلحقه عند المدائن فاقتتلوا قتالا شديدا في أيام نحسات، ثم كان آخر الأمر أن انهزم أبو الحسين إلى أخيه البريدي بواسط، وقد ركب ناصر الدولة بنفسه فنزل المدائن قوة لأخيه. وقد انهزم سيف الدولة مرة من أخى البريدي فرده أخوه وزاده جيشا حتى كسر البريدي، وأسر جماعة من أعيان أصحابه، وقتل منهم خلقا كثيرا. ثم أرسل أخاه سيف الدولة إلى واسط لقتال أبى عبد الله البريدي، فانهزم منه البريدي وأخوه إلى البصرة وتسلم سيف الدولة واسطا، وسيأتي ما كان من خبره في السنة الآتية مع البريدي.
وأما ناصر الدولة فإنه عاد إلى بغداد فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة وبين يديه الأسارى على الجمال، ففرح المسلمون واطمأنوا ونظر في المصالح العامة وأصلح معيار الدينار. وذلك أنه وجده قد غير عما كان عليه، فضرب دنانير سماها الا بريزية، فكانت تباع كل دينار بثلاثة عشر درهما، وإنما كان يباع ما قبلها بعشرة. وعزل الخليفة بدرا الخرشنى عن الحجابة وولاها سلامة الطولونى، وجعل بدرا على طريق الفرات، فسار إلى الإخشيد فأكرمه واستنابه على دمشق فمات بها. وفيها وصلت الروم إلى قريب حلب فقتلوا خلقا وأسروا نحوا من خمسة عشر ألفا، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. وفيها دخل نائب طرسوس إلى بلاد الروم فقتل وسبى وغنم وسلم وأسر من بطارقتهم المشهورين منهم وغيرهم خلقا كثيرا ولله الحمد.
[وفيها توفى من الأعيان.]
[إسحاق بن محمد بن يعقوب النهرجورى]
أحد مشايخ الصوفية، صحب الجنيد بن محمد وغيره، من أئمة الصوفية، وجاور بمكة حتى مات بها. ومن كلامه الحسن: مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب.
[الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان]
أبو عبد الله الضبيّ القاضي المحاملي الفقيه الشافعيّ المحدث، سمع الكثير وأدرك خلقا من أصحاب ابن عيينة، نحوا من سبعين رجلا. وروى عن جماعة من الأئمة، وعنه الدار قطنى وخلق، وكان يحضر مجلسه نحو من عشرة آلاف. وكان صدوقا دينا فقيها محدثا، ولى قضاء الكوفة ستين سنة،