للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجتهد، فرماه الناس بالآجر فاختفى ثم هرب إلى قزوين.

[ابن الشاطبي ناظم الشاطبية]

أبو القاسم بن قسيرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعينيّ الشاطبي الضرير، مصنف الشاطبية في القراءات السبع، فلم يسبق إليها ولا يلحق فيها، وفيها من الرموز كنوز لا يهتدى إليها إلا كل ناقد بصير، هذا مع أنه ضرير ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وبلده شاطبة - قرية شرقى الأندلس - كان فقيرا، وقد أريد أن يلي خطابة بلده فامتنع من ذلك لأجل مبالغة الخطباء على المنابر في وصف الملوك، خرج الشاطبي إلى الحج فقدم الإسكندرية سنة ثنتين وسبعين وخمسمائة، وسمع على السلفي وولاه القاضي الفاضل مشيخة الأقراء بمدرسته، وزار القدس وصام به شهر رمضان، ثم رجع إلى القاهرة، فكانت وفاته بها في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بالقرافة بالقرب من التربة الفاضلية، وكان دينا خاشعا ناسكا كثير الوقار، لا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان يتمثل كثيرا بهذه الأبيات، وهي لغز في النعش، وهي لغيره:

أتعرف شيئا في السماء يطير … إذا سار هاج الناس حيث يسير

فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا … وكل أمير يعتليه أسير

يحث على التقوى ويكره قربه … وتنفر منه النفس وهو نذير

ولم يستزر عن رغبة في زيارة … ولكن على رغم المزور يزور

[ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وخمسمائة]

فيها كانت وقعة الزلاقة ببلاد الأندلس شمالي قرطبة، بمرج الحديد، كانت وقعة عظيمة نصر الله فيها الإسلام وخذل فيها عبدة الصلبان، وذلك أن القيش ملك الفرنج ببلاد الأندلس، ومقر ملكه بمدينة طليطلة، كتب إلى الأمير يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك الغرب يستنخيه ويستدعيه ويستحثه إليه، ليكون من بعض من يخضع له في مثالبه وفي قتاله، في كلام طويل فيه تأنيب وتهديد ووعيد شديد، فكتب السلطان يعقوب بن يوسف في رأس كتابه فوق خطه ﴿اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ﴾ ثم نهض من فوره في جنوده وعساكره، حتى قطع الزقاق إلى الأندلس، فالتقوا في المحل المذكور، فكانت الدائرة أولا على المسلمين، فقتل منهم عشرون ألفا، ثم كانت أخيرا على الكافرين فهزمهم الله وكسرهم وخذلهم أقبح كسرة، وشر هزيمة وأشنعها، فقتل منهم مائة ألف وثلاثة وأربعون ألفا، وأسر منهم ثلاثة عشر ألفا، وغنم المسلمون منهم شيئا كثيرا، من ذلك مائة ألف خيمة وثلاثة وأربعون خيمة، ومن الخيل ستة وأربعون ألف فرس، ومن البغال مائة ألف بغل، ومن الحمر مثلها، ومن السلاح التام سبعون ألفا،

<<  <  ج: ص:  >  >>