للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومشيخة الشيوخ، ونظر الأجياش، وتدريس الشافعيّ والصالحية وإمامة الجامع، وكان بيده خمسة عشر وظيفة، وباشر الوزارة في بعض الأوقات، وكان السلطان يعظمه، والوزير ابن حنا يخاف منه كثيرا، وكان يحب أن ينكبه عند السلطان ويضعه فلا يستطيع ذلك، وكان يشتهي أن يأتى داره ولو عائدا، فمرض في بعض الأحيان فجاء القاضي عائدا، فقام إلى تلقيه لوسط الدار، فقال له القاضي: إنما جئنا لعيادتك فإذا أنت سوى صحيح، سلام عليكم، فرجع ولم يجلس عنده. وكان مولده في سنة أربع وستمائة، وتولى بعده القضاء تقى الدين ابن رزين

[واقف القيمرية الأمير الكبير ناصر الدين]

أبو المعالي الحسين بن العزيز بن أبى الفوارس القيمري الكردي، كان من أعظم الأمراء مكانة عند الملوك، وهو الّذي سلم الشام إلى الملك الناصر صاحب حلب، حين قتل توران شاه بن الصالح أيوب بمصر، وهو واقف المدرسة القيمرية عند مئذنة فيروز، وعمل على بابها الساعات التي لم يسبق إلى مثلها، ولا عمل على شكلها، يقال إنه غرم عليها أربعين ألف درهم.

[الشيخ شهاب الدين أبو شامة]

عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبى بكر بن عباس أبو محمد وأبو القاسم المقدسي الشيخ الامام العالم الحافظ المحدث الفقيه المؤرخ المعروف بأبي شامة شيخ دار الحديث الاشرفية، ومدرس الركنية، وصاحب المصنفات العديدة المفيدة، له اختصار تاريخ دمشق في مجلدات كثيرة، وله شرح الشاطبية، وله الرد إلى الأمر الأول، وله في المبعث وفي الأسراء، وكتاب الروضتين في الدولتين النورية والصلاحية، وله الذيل على ذلك، وله غير ذلك من الفوائد الحسان والغرائب التي هي كالعقيان. ولد ليلة الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وذكر لنفسه ترجمة في هذه السنة في الذيل، وذكر مرباه ومنشأه، وطلبه العلم، وسماعه الحديث، وتفقهه على الفخر بن عساكر وابن عبد السلام، والسيف الآمدي، والشيخ موفق الدين بن قدامة، وما رئي له من المنامات الحسنة. وكان ذا فنون كثيرة، أخبرنى علم الدين البرزالي الحافظ عن الشيخ تاج الدين الفزاري، أنه كان يقول: بلغ الشيخ شهاب الدين أبو شامة رتبة الاجتهاد، وقد كان ينظم أشعارا في أوقات، فمنها ما هو مستحلى، ومنها ما لا يستحلى، فالله يغفر لنا وله. وبالجملة فلم يكن في وقته مثله في نفسه وديانته، وعفته وأمانته، وكانت وفاته بسبب محنة ألبوا عليه، وأرسلوا إليه من اغتاله وهو بمنزل له بطواحين الأشنان، وقد كان اتهم برأي، الظاهر براءته منه، وقد قال جماعة من أهل الحديث وغيرهم: إنه كان مظلوما، ولم يزل يكتب في التاريخ حتى وصل إلى رجب من هذه السنة، فذكر أنه أصيب بمحنة في منزله بطواحين الأشنان، وكان الذين قتلوه جاءوه قبل فضربوه ليموت فلم يمت، فقيل له: ألا تشتكي عليهم، فلم يفعل وأنشأ يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>