فرأى الجمل فقال: ما هذا، قالوا: يا رسول الله هذا جمل جاء به جابر، قال: فأين جابر، فدعيت له، قال فقال: يا ابن أخى خذ برأس جملك فهو لك، قال: ودعا بلالا فقال: اذهب بجابر فأعطه أوقية، قال: فذهبت معه فأعطانى أوقية وزادني شيئا يسيرا، قال: فو الله ما زال ينمى عندي ويرى مكانه من بيننا حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا. يعنى يوم الحرة. وقد أخرجه صاحب الصحيح من حديث عبيد الله بن عمر العمرى عن وهب بن كيسان عن جابر بنحوه. قال السهيليّ:
في هذا الحديث اشارة الى ما كان أخبر به رسول الله ﷺ جابر بن عبد الله أن الله أحياء والده وكلمه فقال له تمنّ عليّ. وذلك أنه شهيد وقد قال الله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ اِشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ﴾ وزادهم على ذلك في قوله ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ﴾ ثم جمع لهم بين العوض والمعوض فرد عليهم أرواحهم التي اشتراها منهم فقال ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ والروح للإنسان بمنزلة المطية كما قال ذلك عمر بن عبد العزيز.
قال: فلذلك اشترى رسول الله ﷺ من جابر جمله وهو مطيته فأعطاه ثمنه ثم رده عليه وزاده مع ذلك. قال ففيه تحقيق لما كان أخبره به عن أبيه. وهذا الّذي سلكه السهيليّ هاهنا اشارة غريبة وتخيّل بديع والله ﷾ أعلم. وقد ترجم الحافظ البيهقي في كتابه (دلائل النبوة) على هذا الحديث في هذه الغزوة فقال: باب ما كان ظهر في غزاته هذه من بركاته وآياته في جمل جابر بن عبد الله ﵁. وهذا الحديث له طرق عن جابر وألفاظ كثيرة وفيه اختلاف كثير في كمية ثمن الجمل وكيفية ما اشترط في البيع. وتحرير ذلك واستقصاؤه لائق بكتاب البيع من الأحكام والله أعلم. وقد جاء تقييده بهذه الغزوة وجاء تقييده بغيرها كما سيأتي ومستبعد تعداد ذلك والله أعلم
[غزوة بدر الآخرة]
وهي بدر الموعد التي تواعدوا اليها من أحد كما تقدم. قال ابن إسحاق: ولما رجع رسول الله ﷺ الى المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقية جمادى الاولى وجمادى الآخرة ورجبا ثم خرج في شعبان الى بدر لميعاد أبى سفيان. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول. قال ابن إسحاق فنزل رسول الله ﷺ بدرا وأقام عليه ثمانيا ينتظر أبا سفيان.
وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران. وبعض الناس يقول قد بلغ عسفان ثم بدا له في الرجوع فقال: يا معشر قريش انه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن، فان عامكم هذا عام جدب وانى راجع فارجعوا. فرجع الناس فسماهم أهل مكة