جزائر بحر الروم وهو مرابط، وأنه ذهب إلى الخلاء ليلة مات نحوا من عشرين مرة، وفي كل مرة يجدد الوضوء بعد هذا، وكان به البطن، فلما كانت غشية الموت قال: أوتروا لي قوسى، فأوتروه فقبض عليه فمات وهو قابض عليه يريد الرمي به إلى العدو ﵀ وأكرم مثواه.
وقد قال أبو سعيد بن الأعرابي: حدثنا محمد بن على بن يزيد الصائغ قال سمعت الشافعيّ يقول: كان سفيان معجبا به:
[أجاعتهم الدنيا فخافوا ولم يزل … كذلك ذو التقوى عن العيش ملجما
أخو طيِّئ داود منهم ومسعر … ومنهم وهيب والعريب ابن أدهما
وفي ابن سعيد قدوة البر والنهى … وفي الوارث الفاروق صدقا مقدما
وحسبك منهم بالفضيل مع ابنه … ويوسف ان لم يأل أن يتسلما
أولئك أصحابى وأهل مودتي … فصلى عليهم ذو الجلال وسلما
فما ضر ذا التقوى نصال أسنة … وما زال ذو التقوى أعز وأكرما
وما زالت التقوى تريك على الفتى … إذا محّض التقوى من العز ميسما
وروى البخاري في كتاب الأدب عن إبراهيم بن أدهم وأخرج الترمذي في جامعه حدثنا معلقا في المسح على الخفين. والله سبحانه أعلم.] (١) وفيها توفى أبو سليمان داود بن نصير الطائي الكوفي الفقيه الزاهد، أخذ الفقه عن أبى حنيفة. قال سفيان بن عيينة: ثم ترك داود الفقه وأقبل على العبادة ودفن كتبه. قال عبد الله بن المبارك: وهل الأمر إلا ما كان عليه داود الطائي. وقال ابن معين: كان ثقة، وفد على المهدي ببغداد ثم عاد إلى الكوفة. ذكره الخطيب البغدادي. وقال: مات في سنة ستين ومائة، وقيل في سنة ست وخمسين ومائة. وقد ذكر شيخنا الذهبي في تاريخه أنه توفى في هذه السنة - أعنى سنة ثنتين وستين ومائة - فالله أعلم.
[ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائة]
فيها حصر المقنع الزنديق الّذي كان قد نبغ بخراسان وقال بالتناسخ، واتبعه على جهالته وضلالته خلق من الطغام وسفهاء الأنام، والسفلة من العوام، فلما كان في هذا العام لجأ إلى قلعة كش فحاصره سعيد الحريثى فألح عليه في الحصار، فلما أحس بالغلبة تحسى سما وسم نساءه فماتوا جميعا، عليهم لعائن الله. ودخل الجيش الإسلامي قلعته فاحتزوا رأسه وبعثوا به إلى المهدي، وكان المهدي بحلب.
قال ابن خلكان: كان اسم المقنع عطاء، وقيل حكيم، والأول أشهر. وكان أولا قصارا ثم ادعى الربوبية، مع أنه كان أعور قبيح المنظر، وكان يتخذ له وجها من ذهب، وتابعه على جهالته خلق
(١) زيادة من المصرية.