للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشهر، فعلى الأول يكون لهذا الباب من المدد المتطاولة ما يقارب خمسة آلاف سنة، ثم كان انجعاف هذا الباب لا من تلقاء نفسه بل بالأيدي العادية عليه، بسبب ما ناله من شوط حريق اتصل إليه حريق وقع من جانبه في صبيحة ليلة الاثنين السادس عشر من صفر، سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة فتبادر ديوان الجامعية ففرقوا شمله وقضعوا ثمله، وعروا جلده النحاس عن بدنه الّذي هو من خشب الصنوبر، الّذي كأن الصانع قد فرغ منه يومئذ، وقد شاهدت الفؤوس تعمل فيه ولا تكاد تحيل فيه إلا بمشقة، فسبحان الّذي خلق الذين بنوه أولا، ثم قدر أهل هذا الزمان على أن هدموه بعد هذه المدد المتطاولة، والأمم المتداولة، ولكن لكل أجل كتاب، ولا إله إلا رب العباد.

[بيان تقدم مدة هذا الباب وزيادتها على مدة أربعة آلاف سنة بل يقارب الخمسة]

ذكر الحافظ ابن عساكر في أول تاريخه باب بناء دمشق بسنده عن القاضي يحيى بن حمزة التبلهى الحاكم بها في الزمن المتقدم، وقد كان هذا القاضي من تلاميذ ابن عمر والأوزاعي، قال.

لما فتح عبد الله بن على دمشق بعد حصارها - يعنى وانتزعها من أيدي بنى أمية وسلبهم ملكهم - هدموا سور دمشق فوجدوا حجرا مكتوبا عليه باليونانية، فجاء راهب فقرأه لهم، فإذا هو مكتوب عليه: ويك أرم الجبابرة من رامك بسوء قصمه الله، إذا وهي منك جيرون الغربي من باب البريد وتلك من خمسة أعين ينقض سورك على يديه، بعد أربعة آلاف سنة تعيشين رغدا، فإذا وهي منك جيرون الشرقي أؤمل لك ممن يعوض لك، قال: فوجدنا الخمسة أعين عبد الله بن على بن عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب، عين بن عين بن عين بن عين بن عين، فهذا يقتضي أنه كان بسورها سنينا إلى حين إخرابه على يد عبد الله بن على أربعة آلاف سنة، وقد كان إخرابه له في سنة ثنتين وثلاثين ومائة كما ذكرنا في التاريخ الكبير، فعلى هذا يكون لهذا الباب إلى يوم خرب من هذه السنة - أعنى سنة ثنتين وثلاثين ومائة - أربعة آلاف وستمائة وإحدى وعشرين سنة، والله أعلم.

وقد ذكر ابن عساكر عن بعضهم أن نوحا هو الّذي أسس دمشق بعد حران وذلك بعد مضى الطوفان، وقيل بناها دمسغس غلام ذي القرنين عن إشارته، وقيل عاد الملقب بدمشيق وهو غلام الخليل، وقيل غير ذلك من الأقوال، وأظهرها أنها من بناء اليونان، لأن محاريب معابدها كانت موجهة إلى القطب الشمالي، ثم كان بعدهم النصارى فصلوا فيها إلى الشرق، ثم كان فيها بعدهم أجمعين أمة المسلمين فصلوا إلى الكعبة المشرفة. وذكر ابن عساكر وغيره أن أبوابها كانت سبعة كل منها يتخذ عنده عيد لهيكل من الهياكل السبعة، فباب القمر باب السلامة، وكانوا يسمونه باب الفراديس الصغير، ولعطارد باب الفراديس الكبير، وللزهرة باب توما، وللشمس الباب الشرقي، وللمريخ باب الجابية، وللمشتري باب الجابية الصغير، ولزحل باب كيسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>