للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثم دخلت سنة خمس وأربعين]

فيها ولى معاوية البصرة للحارث بن عبد الله الأزدي، ثم عزله بعد أربعة أشهر، وولى زيادا فقدم زياد الكوفة، وعليها المغيرة فأقام بها ليأتيه رسول معاوية بولاية البصرة، فظن المغيرة أنه قد جاء على إمرة الكوفة فبعث إليه وائل بن حجر ليعلم خبره فاجتمع به فلم يقدر منه على شيء، فجاء البريد إلى زياد أن يسير إلى البصرة، واستعمله على خراسان وسجستان ثم جمع له الهند والبحرين وعمان.

ودخل زياد البصرة في مستهل جمادى الأول فقام في أول خطبة خطبها - وقد وجد الفسق ظاهرا - فقال فيها: أيها الناس كأنكم لم تسمعوا ما أعد الله من الثواب لأهل الطاعة، والعذاب لأهل المعصية تكونون كمن طرقت جبينه الدنيا وفسدت مسامعه الشهوات، فاختار الفانية على الباقية. ثم ما زال يقيم أمر السلطان ويجرد السيف حتى خافه الناس خوفا عظيما، وتركوا ما كانوا فيه من المعاصي الظاهرة، واستعان بجماعة من الصحابة، وولى عمران بن حصين القضاء بالبصرة، وولى الحكم بن عمرو الغفاريّ نيابة خراسان، وولى سمرة بن جندب وعبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك، وكان حازم الرأى ذا هيبة داهية، وكان مفوها فصيحا بليغا. قال الشعبي: ما سمعت متكلما قط تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفا من أن يسيء إلا زيادا فإنه كان كلما أكثر كان أجود كلاما، وقد كانت له وجاهة عند عمر بن الخطاب. وفي هذه السنة غزا الحكم بن عمرو نائب زياد على خراسان جبل الأسل عن أمر زياد فقتل منهم خلقا كثيرا وغنم أموالا جمة، فكتب إليه زياد: إن أمير المؤمنين قد جاء كتابه أن يصطفى له كل صفراء وبيضاء - يعنى الذهب والفضة - يجمع كله من هذه الغنيمة لبيت المال. فكتب الحكم بن عمرو: إن كتاب الله مقدم على كتاب أمير المؤمنين، وإنه والله لو كانت السموات والأرض على عدو فاتقى الله يجعل له مخرجا، ثم نادى في الناس: أن أغدوا على قسم غنيمتكم، فقسمها بينهم وخالف زيادا فيما كتب إليه عن معاوية، وعزل الخمس كما أمر الله ورسوله، ثم قال الحكم: إن كان لي عندك خير فاقبضنى إليك، فمات بمرو من خراسان . قال ابن جرير: وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم وكان نائب المدينة.

وفي هذه السنة توفى زيد بن ثابت الأنصاري أحد كتاب الوحي، وقد ذكرنا ترجمته فيهم في أواخر السيرة، وهو الّذي كتب هذا المصحف الامام الّذي بالشام عن أمر عثمان بن عفان، وهو خط جيد قوى جدا فيما رأيته، وقد كان زيد بن ثابت من أشد الناس ذكاء تعلم لسان يهود وكتابهم في خمسة عشر يوما، قال أبو الحسن بن البراء: تعلم الفارسية من رسول كسرى في ثمانية عشر يوما، وتعلم الحبشية والروميّة والقبطية من خدام رسول الله ، قال الواقدي: وأول مشاهده الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة. وفي الحديث الّذي رواه أحمد والنسائي: «وأعلمهم بالفرائض زيد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>