الخلافة كل يوم، واستأذن الخليفة في الحج فأذن له، وقال: لولا أنى عينت الحج لأخى أبى جعفر لأمرتك على الحج. وكان الّذي بين أبى جعفر وأبى مسلم خرابا وكان يبغضه، وذلك لما رأى ما هو فيه من الحرمة حين قدم عليه نيسابور في البيعة للسفاح وللمنصور بعده، فحار في أمره لذلك، فحقد عليه المنصور وأشار على السفاح بقتله، فأمره بكتم ذلك. وحين قدم أمره بقتله أيضا وحرضه على ذلك، فقال له السفاح: قد علمت بلاءه معنا وخدمته لنا فقال أبو جعفر: يا أمير المؤمنين إنما ذلك بدولتنا، والله لو أرسلت سنورا لسمعوا لها وأطاعوا، وإنك إن لم تتعش به تغدى بك هو، فقال له: كيف السبيل إلى ذلك؟ فقال: إذا دخل عليك فحادثه ثم أجيء أنا من ورائه فأضربه بالسيف.
قال: كيف بمن معه؟ قال: هم أذل وأقل. فأذن له في قتله، فلما دخل أبو مسلم على السفاح ندم على ما كان أذن لأخيه فيه، فبعث إليه الخادم يقول له: إن ذاك الّذي بينك وبينه ندم عليه فلا تفعله.
فلما جاءه الخادم وجده محتبيا بالسيف قد تهيأ لما يريد من قتل أبى مسلم. فلما نهاه عن ذلك غضب أبو جعفر غضبا شديدا. وفيها حج بالناس أبو جعفر المنصور عن ولاية أخيه السفاح، وسار معه إلى الحجاز أبو مسلم الخراساني عن أمر الخليفة، وأذن له في الحج، فلما رجعا من الحج وكانا بذات عرق جاء الخبر إلى أبى جعفر - وكان يسير قبل أبى مسلم بمرحلة - بموت أخيه السفاح، فكتب إلى أبى مسلم أن قد حدث أمر فالعجل العجل، فلما استعلم أبو مسلم الخبر عجل السير وراءه، فلحقه إلى الكوفة. وكانت بيعة المنصور على ما سيأتي بيانه وتفصيله قريبا والله ﷾ أعلم.
[وهذه ترجمة أبى العباس السفاح أول خلفاء بنى العباس وذكر وفاته]
هو عبد الله السفاح - ويقال له المرتضى، والقاسم أيضا - ابن محمد ابن الامام ابن على السجاد ابن عبد الله الخبر ابن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أمير المؤمنين، وأمه ريطة - ويقال رائطة - بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد الدار الحارثي، كان مولد السفاح بالحميمة من أرض الشراة من البلقاء بالشام، ونشأ بها حتى أخذ مروان أخاه إبراهيم الامام فانتقلوا إلى الكوفة. بويع له بالخلافة بعد مقتل أخيه في حياة مروان يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول بالكوفة كما تقدم.
وتوفى بالجدري بالأنبار يوم الأحد الحادي عشر، وقيل الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، وكان عمره ثلاثا، وقيل ثنتين، وقيل إحدى وثلاثين سنة، وقيل ثمان وعشرين سنة. قاله غير واحد. وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، وكان أبيض جميلا طويلا، أقنى الأنف، جعد الشعر، حسن اللحية، حسن الوجه، فصيح الكلام، حسن الرأى، جيد البديهة.
دخل عليه في أول ولايته عبد الله بن حسن بن حسن بن على ومعه مصحف وعند السفاح وجوه بنى هاشم من أهل بيته وغيرهم، فقال له: يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الّذي جعله الله لنا في هذا