للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصحف. قال: فأشفق عليه الحاضرون أن يعجل السفاح عليه بشيء أو يترك جوابه فيبقى ذلك مسبة عليه وعليهم. فأقبل السفاح عليه غير مغضب ولا منزعج، فقال: إن جدك عليا كان خيرا منى وأعدل، وقد ولى هذا الأمر فأعطى جديك الحسن والحسين وكانا خيرا منك، شيئا قد أعطيتك وزدتك عليه، فما كان هذا جزائي منك. قال: فما رد عليه عبد الله بن حسن جوابا، وتعجب الناس من سرعة جوابه وجدته وجودته على البديهة.

وقد قال الإمام أحمد في مسندة: حدثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا جرير عن الأعمش عن عطية العوفيّ عن أبى سعيد الخدريّ. قال قال رسول الله : «يخرج عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له السفاح، يكون إعطاؤه المال حيثا». وكذا رواه زائدة وأبو معاوية عن الأعمش به. وهذا الحديث في إسناده عطية العوفيّ وقد تكلموا فيه. وفي أن المراد بهذا الحديث هذا السفاح نظر والله أعلم. وقد ذكرنا فيما تقدم عند زوال دولة بنى أمية أخبارا وآثارا في مثل هذا المعنى. وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن سلمة بن محمد بن هشام أخبرنى محمد بن عبد الرحمن المخزومي حدثني داود بن عيسى عن أبيه عن محمد بن على بن عبد الله بن عباس - وهو والد السفاح - قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من النصارى فقال له عمر: من تجدون الخليفة بعد سليمان؟ قال له: أنت. فأقبل عمر بن عبد العزيز عليه فقال له: زدني من بيانك. فقال ثم آخر، إلى أن ذكر خلافة بنى أمية إلى آخرها. قال محمد بن على: فلما كان بعد ذلك جعلت ذلك النصراني في بالي فرأيته يوما فأمرت غلامي أن يحبسه على، وذهبت إلى منزلي فسألته عما يكون في خلفاء بنى أمية فذكرهم واحدا واحدا، وتجاوز عن مروان بن محمد. قلت: ثم من؟ قال: ثم ابن الحارثية، وهو ابنك.

قال: وكان ابني ابن الحارثية إذ ذاك حملا. قال ووفد أهل المدينة على السفاح فبادروا إلى تقبيل يده غيره عمران بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع العدوي، فإنه لم يقبل يده، وإنما حياه بالخلافة فقط.

وقال: والله يا أمير المؤمنين لو كان تقبيلها يزيدك رفعة ويزيدني وسيلة إليك ما سبقني إليها أحد من هؤلاء، وإني لغني عمالا أجر فيه، وربما قادنا عمله إلى الوزر ثم جلس. قال: فو الله ما نقصه ذلك عنده حظا من حظ أصحابه، بل أحبه وزاده. وذكر القاضي المعافى بن زكريا أن السفاح بعث رجلا ينادى في عسكر مروان بهذين البيتين ليلا ثم رجع:

يا آل مروان إن الله مهلككم … ومبدل أمنكم خوفا وتشريدا

لا عمّر الله من أنسالكم أحدا … وبثكم في بلاد الخوف تطريدا

وروى الخطيب البغدادي أن السفاح نظر يوما في المرآة - وكان من أجمل الناس وجها - فقال:

اللهمّ لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك: أنا الخليفة الشاب، ولكن أقول: اللهمّ عمرني طويلا في

<<  <  ج: ص:  >  >>