طاعتك ممتعا بالعافية. فما استتم كلامه حتى سمع غلاما يقول لآخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام. فتطير من كلامه وقال: حسبي الله لا قوة إلا بالله عليه توكلت وبه أستعين. فمات بعد شهرين وخمسة أيام. وذكر محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي أن الرشيد أمر ابنه أن يسمع من إسحاق بن عيسى بن على ما يرويه عن أبيه في قصة السفاح، فأخبره عن أبيه عيسى أنه دخل على السفاح يوم عرفة بكرة فوجده صائما، فأمره أن يحادثه في يومه هذا ثم يختم ذلك بفطرة عنده. قال:
فحادثته حتى أخذه النوم فقمت عنه وقلت: أقيل في منزلي ثم أجيء بعد ذلك. فذهبت فنمت قليلا ثم قمت فأقبلت إلى داره فإذا على بابه بشير يبشر بفتح السند وبيعتهم للخليفة وتسليم الأمور إلى نوابه. قال: فحمدت الله الّذي وفقني في الدخول عليه بهذه البشارة، فدخلت الدار فإذا بشير آخر معه بشارة بفتح إفريقية، فحمدت الله فدخلت عليه فبشرته بذلك وهو يسرح لحيته بعد الوضوء، فسقط المشط من يده ثم قال: سبحان الله، كل شيء بائد سواه، نعيت والله إلى نفسي،
حدثني إبراهيم الامام عن أبى هشام عن عبد الله بن محمد بن على بن أبى طالب عن رسول الله ﷺ أنه قال:«يقدم على في مدينتي هذه وافدان وافد السند والآخر وافد إفريقية بسمعهم وطاعتهم وبيعتهم، فلا يمضى بعد ذلك ثلاثة أيام حتى أموت. قال: وقد أتانى الوافدان فأعظم الله أجرك يا عم في ابن أخيك. فقلت: كلا، يا أمير المؤمنين إن شاء الله. قال بلى إن شاء الله! لئن كانت الدنيا حبيبة إلى فالآخرة أحب إلى، ولقاء ربى خير لي، وصحة الرواية عن رسول الله بذلك أحب إلى منها، والله ما كذبت ولا كذبت. ثم نهض فدخل منزله وأمرنى بالجلوس، فلما جاء المؤذن يعلمه بوقت الظهر خرج الخادم يعلمني أن أصلى عنه، وكذلك العصر والمغرب والعشاء، وبت هناك، فلما كان وقت السحر أتانى الخادم بكتاب معه يأمرني أن أصلى عنه الصبح والعيد ثم أرجع إلى داره، وفيه يقول: يا عم إذا مت فلا تعلم الناس بموتي حتى تقرأ عليهم هذا الكتاب فيبايعوا لمن فيه. قال:
فصليت بالناس ثم رجعت إليه فإذا ليس به بأس، ثم دخلت عليه من آخر النهار فإذا هو على حاله غير أنه قد خرجت في وجهه حبتان صغيرتان، ثم كبرتا، ثم صار في وجهه حب صغار بيض يقال إنه جدري، ثم بكّرت إليه في اليوم الثاني فإذا هو قد هجر وذهبت عنه معرفتي ومعرفة غيري، ثم رجعت إليه بالعشي فإذا هو انتفخ حتى صار مثل الزق، وتوفى اليوم الثالث من أيام التشريق، فسجيته كما أمرنى، وخرجت إلى الناس فقرأت عليهم كتابه فإذا فيه: من عبد الله أمير المؤمنين إلى الأولياء وجماعة المسلمين، سلام عليكم أما بعد فقد قلد أمير المؤمنين الخلافة عليكم بعد وفاته أخاه فاسمعوا وأطيعوا، وقد قلدها من بعده عيسى بن موسى إن كان. قال: فاختلف الناس في قوله «إن كان» قيل إن كان أهلا لها. وقال آخرون إن كان حيا. وهذا القول الثاني هو الصواب، ذكره الخطيب