إليه جماعة من الروم، ومن الشهارجة، ومن نصارى العرب، من إياد وتغلب والنمر. وقد أحدقوا بتكريت، فحاصرهم عبد الله بن المعتم أربعين يوما. وزاحفوه في هذه المدة أربعة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وينتصر عليهم ويفل جموعهم، فضعف جانبهم، وعزمت الروم على الذهاب في السفن بأموالهم، وراسل عبد الله بن المعتم إلى من لك من الأعراب، فدعاهم إلى الدخول معه في النصرة على أهل البلد، فجاءت القصاد إليه عنهم بالإجابة إلى ذلك، فأرسل إليهم: إن كنتم صادقين فيما قلتم فاشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأقروا بما جاء من عند الله. فرجعت القصاد إليه بأنهم قد أسلموا فبعث إليهم: إن كنتم صادقين فإذا كبرنا وحملنا على البلد الليلة فأمسكوا علينا أبواب السفن، وامنعوهم أن يركبوا فيها، واقتلوا منهم من قدرتهم على قتله. ثم شد عبد الله وأصحابه، وكبروا تكبيرة رجل واحد، وحملوا على البلد فكبرت الأعراب، من الناحية الأخرى، فحار أهل البلد، وأخذوا في الخروج من الأبواب التي تلى دجلة، فتلقتهم إياد والنمر وتغلب، فقتلوهم قتلا ذريعا، وجاء عبد الله بن المعتم بأصحابه من الأبواب الأخر فقتل جميع أهل البلد عن بكرة أبيهم، ولم يسلم إلا من أسلم من الأعراب من إياد وتغلب والنمر، وقد كان عمر عهد في كتابه إذا نصروا على تكريت أن يبعثوا ربعي بن الأفكل إلى الحصنين وهي الموصل سريعا، فسار إليها كما أمر عمر، ومعه سرية كثيرة، وجماعة من الإبطال، فسار إليها حتى فجئها قبل وصول الاخبار إليها، فما كان إلا أن واقفها حتى أجابوا إلى الصلح فضربت عليهم الذمة عن يد وهم صاغرون، ثم قسمت الأموال التي تحصلت من تكريت، فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف، وسهم الراجل ألف درهم. وبعثوا بالأخماس مع فرات بن حيان، وبالفتح مع الحارث بن حسان، وولى إمرة حرب الموصل ربعي بن الأفكل، وولى الخراج بها عرفجة بن هرثمة.
[فتح ماسبذان من أرض العراق]
لما رجع هاشم بن عتبة من جلولاء إلى عمر بالمدائن، بلغ سعدا أن آذين بن الهرمزان قد جمع طائفة من الفرس، فكتب إلى عمر في ذلك، فكتب إليه أن ابعث جيشا وأمر عليهم ضرار ابن الخطاب. فخرج ضرار في جيش من المدائن، وعلى مقدمته ابن الهزيل الأسدي، فتقدم ابن الهزيل بين يدي الجيش، فالتقى مع آذين وأصحابه قبل وصول ضرار إليه، فكسر ابن الهزيل طائفة الفرس، وأسر آذين بن الهرمزان، وفر عنه أصحابه، وأمر ابن الهزيل فضرب عنق آذين بين يديه، وساق وراء المنهزمين حتى انتهى إلى ماسبذان - وهي مدينة كبيرة - فأخذها عنوة، وهرب أهلها في رءوس الجبال والشعاب، فدعاهم فاستجابوا له، وضرب على من لم يسلم الجزية، وأقام نائبا عليها حتى تحول سعد من المدائن إلى الكوفة كما سيأتي.