للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوما ثم مات. وليس هذا بصحيح، ولا أصل له، وإن كان قد لهج به بعض الناس كالزمخشري وغيره. وقد أورد له ابن عساكر أشياء من شعره مثل قوله: -

ولو كانت الأرزاق تجرى على الحجا … هلكن إذا من جهلهن البهائم

ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد … ولا المجد في كف امرئ والدراهم

ومنه قوله:

وما أنا بالغيران من دون غرسه … إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم

طبيب فؤادي مذ ثلاثين حجة … ومذهب همي والمفرج للغم

وفيها توفى أبو نصر الفار أبى. والعبسيّ. وأبو الجهم. ومسدّد. وداود بن عمرو الضبيّ. ويحيى بن عبد الحميد الحماني.

[ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين]

فيها أمر الواثق بعقوبة الدواوين وضربهم واستخلاص الأموال منهم، لظهور خياناتهم وإسرافهم في أمورهم، فمنهم من ضرب ألف سوط وأكثر من ذلك وأقل، ومنهم من أخذ منه ألف ألف دينار، ودون ذلك، وجاهر الوزير محمد بن عبد الملك لسائر ولاة الشرط بالعداوة فعسفوا وحبسوا ولقوا شرا عظيما، وجهدا جهيدا، وجلس إسحاق بن إبراهيم للنظر في أمرهم، وأقيموا للناس وافتضحوا هم والدواوين فضيحة بليغة، وكان سبب ذلك أن الواثق جلس ليلة في دار الخلافة وجلسوا يسمرون عنده، فقال: هل منكم أحد يعرف سبب عقوبة جدي الرشيد للبرامكة؟ فقال بعض الحاضرين: نعم يا أمير المؤمنين! سبب ذلك أن الرشيد عرضت له جارية فأعجبه جمالها فساوم سيدها فيها فقال: يا أمير المؤمنين إني أقسمت بكل يمين أن لا أبيعها بأقل من مائة ألف دينار، فاشتراها منه بها وبعث إلى يحيى بن خالد الوزير ليبعث إليه بالمال من بيت المال، فاعتل بأنها ليست عنده، فأرسل الرشيد إليه يؤنبه ويقول: أما في بيت مالي مائة ألف دينار؟ وألح في طلبها فقال يحيى بن خالد: أرسلوها إليه دراهم ليستكثرها، ولعله يرد الجارية. فبعثوا بمائة ألف دينار دراهم ووضعوها في طريق الرشيد وهو خارج إلى الصلاة، فلما اجتاز به رأى كوما من دراهم، فقال: ما هذا قالوا: ثمن الجارية، فاستكثر ذلك وأمر بخزنها عند بعض خدمه في دار الخلافة، وأعجبه جمع المال في حواصله، ثم شرع في تتبع أموال بيت المال فإذا البرامكة قد استهلكوها، فجعل يهم بهم تارة يريد أخذهم وهلاكهم، وتارة يحجم عنهم، حتى إذا كان في بعض الليالي سمر عنده رجل يقال له أبو العود فأطلق له ثلاثين ألفا من الدراهم، فذهب إلى الوزير يحيى بن خالد بن برمك فطلبها منه فماطله مدة طويلة، فلما كان في بعض الليالي في السمر عرض أبو العود بذلك للرشيد في قول عمر بن أبى ربيعة:

وعدت هند وما كادت تعد … ليت هندا أنجزتنا ما تعد

واستبدت مرة واحدة … إنما العاجز من لا يستبد

<<  <  ج: ص:  >  >>