إن غبت فيك فيا فخري ويا شرفى … وإن حضرت فيا سمعي ويا بصرى
أو احتجبت فسرى فيك في وله … وإن خطرت فقلبي منك في خطر
تبدو فتمحو رسومي ثم تثبتها … وإن تغيب عنى عشت بالأثر
[وفيها توفى من الأعيان]
الحافظ أبو القاسم ابن عساكر.
[على بن الحسن بن هبة الله]
ابن عساكر أبو القاسم الدمشقيّ، أحد أكابر حفاظ الحديث ومن عنى به سماعا وجمعا وتصنيفا واطلاعا وحفظا لأسانيده ومتونه، وإتقانا لأساليبه وفنونه، صنف تاريخ الشام في ثمانين مجلدة، فهي باقية بعده مخلدة، وقد ندر على من تقدمه من المؤرخين، وأتعب من يأتى بعده من المتأخرين، فحاز فيه قصب السبق، ومن نظر فيه وتأمله رأى ما وصفه فيه وأصله، وحكم بأنه فريد دهره، في التواريخ، وأنه الذروة العليا من الشماريخ، هذا مع ماله في علوم الحديث من الكتب المفيدة، وما هو مشتمل عليه من العبادة والطرائق الحميدة، فله أطراف الكتب الستة، والشيوخ النبل، وتبيين كذب المفترى على أبى الحسن الأشعري، وغير ذلك من المصنفات الكبار والصغار، والأجزاء والأسفار، وقد أكثر في طلب الحديث من الترحال والأسفار، وجاز المدن والأقاليم والأمصار، وجمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من الحفاظ نسخا واستنساخا، ومقابلة وتصحيح الألفاظ، وكان من أكابر سروات الدماشقة، ورياسته فيهم عالية باسقة، من ذوى الأقدار والهيئات، والأموال الجزيلة، والصلاة والهبات، كانت وفاته في الحادي عشر من رجب، وله من العمر ثنتان وسبعون سنة، وحضر السلطان صلاح الدين جنازته ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله تعالى. وكان الّذي صلى عليه الشيخ قطب الدين النيسابورىّ. قال ابن خلكان وله أشعار كثيرة منها:
أيا نفس ويحك جاء المشيب … فماذا التصابي وماذا الغزل؟
تولى شبابي كأن لم يكن … وجاء المشيب كأن لم يزل
كأنى بنفسي على غرة … وخطب المنون بها قد نزل
فيا ليت شعرى ممن أكون … وما قدر الله لي في الأزل
قال: وقد التزم فيها بما لم يلزم وهو الزاى مع اللام. قال: وكان أخوه صائن الدين هبة الله ابن الحسن محدثا فقيها، اشتغل ببغداد على أسعد الميهنى، ثم قدم دمشق فدرس بالغزالية، وتوفى بها عن ثلاث وستين سنة.
[ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين وخمسمائة]
استهلت هذه السنة والناصر محاصر حلب، فسألوه وتوسلوا إليه أن يصالحهم فصالحهم على أن