للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يمكنه الوصول إليهم، لأن دمشق بينه وبينهم، ويخشى أن يحاصروا دمشق فيشق على أهلها، ويخاف أن يرسل مجير الدين إلى الفرنج فيخذلونه كما جرى غير مرة، وذلك أن الْفِرِنْجَ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَمْلِكَ نُورُ الدِّينِ دمشق فيقوى بِهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يُطِيقُونَهُ، فَأَرْسَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ الأمير أسد الدين شير كوه فِي أَلْفِ فَارِسٍ فِي صِفَةِ طَلَبِ الصُّلْحِ، فلم يلتفت إليه مجير الدين ولا عده شيئا، ولا خرج إليه أحد من أعيان أَهْلِ الْبَلَدِ، فَكَتَبَ إِلَى نُورِ الدِّينِ بِذَلِكَ، فَرَكِبَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ فِي جَيْشِهِ فَنَزَلَ عُيُونَ الْفَاسْرَيَا مِنْ أَرْضِ دِمَشْقَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ، فَفَتَحَهَا قَهْرًا ودخل من الباب الشرقي بعد حصار عشرة أيام، وكان دخوله في يَوْمَ الْأَحَدِ عَاشِرَ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَتَحَصَّنَ مُجِيرُ الدِّينِ فِي الْقَلْعَةِ فَأَنْزَلَهُ مِنْهَا وعوضه مدينة حمص ودخل نور الدين إلى الْقَلْعَةَ وَاسْتَقَرَّتْ يَدُهُ عَلَى دِمَشْقَ وللَّه الْحَمْدُ. ونادى في البلد بالأمان والبشارة بالخير، ثم وضع عنهم المكوس وقرئت عليهم التواقيع على المنابر، ففرح الناس بذلك وَأَكْثَرُوا الدُّعَاءَ لَهُ، وَكَتَبَ مُلُوكُ الْفِرِنْجِ إِلَيْهِ يهنونه بدمشق ويتقربون إليه، ويخضعون له.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ.

الرَّئِيسُ مُؤَيَّدُ الدولة

على بْنُ الصُّوفِيِّ وَزِيرُ دِمَشْقَ لِمُجِيرِ الدِّينِ، وَقَدْ ثار على الملك غير مرة، واستفحل أَمْرُهُ، ثُمَّ يَقَعُ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ.

عَطَاءٌ الْخَادِمُ

أَحَدُ أُمَرَاءِ دِمَشْقَ،، وَقَدْ تَغَلَّبَ على الأمور بأمر مجير الدين، وكان ينوب على بعلبكّ في بعض الأحيان، وقد كان ظَالِمًا غَاشِمًا وَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ مَسْجِدُ عَطَاءٍ خَارِجَ بَابِ شَرْقِيٍّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ دخلت سنة خمسين وخمسمائة هجرية

فيها خرج الخليفة في تجمل إلى دموقا فحاصرها فخرج إليه أهلها أَنْ يَرْحَلَ عَنْهُمْ فَإِنَّ أَهْلَهَا قَدْ هَلَكُوا من الْجَيْشَيْنِ، فَأَجَابَهُمْ وَرَحَلَ عَنْهُمْ، وَعَادَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَنِصْفٍ، ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ الْحِلَّةِ وَالْكُوفَةِ وَالْجَيْشُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ شاه أنا ولى عهد سنجر، فان قررتنى في ذَلِكَ وَإِلَّا فَأَنَا كَأَحَدِ الْأُمَرَاءِ، فَوَعْدَهُ خَيْرًا، وَكَانَ يَحْمِلُ الْغَاشِيَةَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ عَلَى كَاهِلِهِ، فَمَهَّدَ الْأُمُورَ وَوَطَّدَهَا، وَسَلَّمَ عَلَى مَشْهَدِ على إشارة بإصبعه، وكأنه خاف عليه غائلة الروافض أو أن يعتقد في نفسه من القبر شيئا أو غير ذلك، والله أعلم.

فتح بعلبكّ بيد نور الدين الشهيد

وَفِيهَا افْتَتَحَ نُورُ الدِّينِ بَعْلَبَكَّ عَوْدًا عَلَى بدء وذلك أن نجم الدين أيوب كان نائبا بها على البلد والقلعة فسلمها إلى رجل يقال له الضحاك البقاعي، فاستحوذ عليها وكاتب نَجْمُ الدِّينِ لِنُورِ الدِّينِ، وَلَمْ يَزَلْ نُورُ الدِّينِ يَتَلَطَّفُ حَتَّى أَخَذَ الْقَلْعَةَ أَيْضًا وَاسْتَدْعَى بنجم الدين أيوب إليه إلى دمشق فأقطعه

<<  <  ج: ص:  >  >>