فسألته فقال: رأيت كأنى دفعت إلى أرض خضراء واسعة كأنها بساط أخضر وإذا فيها قصر كأنه الفضة فخرج منه خارج فنادى أين محمد بن عبد الله، أين رسول الله؟ إذ أقبل رسول الله ﷺ، حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين أبو بكر الصديق؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى أين عمر بن الخطاب؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى أين عثمان بن عفان؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى أين على بن أبى طالب؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى أين عمر بن عبد العزيز؟ فقمت فدخلت فجلست إلى جانب أبى عمر بن الخطاب، وهو عن يسار رسول الله ﷺ، وأبو بكر عن يمينه، وبينه وبين رسول الله ﷺ رجل، فقلت: لأبي: من هذا؟ قال: هذا عيسى بن مريم، ثم سمعت هاتفا يهتف بيني وبينه نور لا أراه، وهو يقول: يا عمر بن عبد العزيز تمسك بما أنت عليه، واثبت على ما أنت عليه، ثم كأنه أذن لي في الخروج فخرجت، فالتفت فإذا عثمان بن عفان وهو خارج من القصر وهو يقول: الحمد لله الّذي نصرني ربى، وإذا على في إثره وهو يقول: الحمد لله الّذي غفر لي ربى.
[فصل]
وقد ذكرنا في دلائل النبوة الحديث الّذي رواه أبو داود في سننه أن رسول الله ﷺ قال:«إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها». فقال جماعة من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل فيما ذكره ابن الجوزي وغيره: إن عمر بن عبد العزيز كان على رأس المائة الأولى، وإن كان هو أولى من دخل في ذلك وأحق، لإمامته وعموم ولايته، وقيامه واجتهاده في تنفيذ الحق، فقد كانت سيرته شبيهة، بسيرة عمر بن الخطاب، وكان كثيرا ما تشبه به. وقد جمع الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي سيرة لعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، وقد أفردنا سيرة عمر بن الخطاب في مجلد على حدة، ومسندة في مجلد ضخم، وأما سيرة عمر بن عبد العزيز فقد ذكرنا منها طرفا صالحا هنا، يستدل به على ما لم نذكره.
وقد كان عمر ﵀ يعطى من انقطع إلى المسجد الجامع من بلده وغيرها، للفقه ونشر العلم وتلاوة القرآن، في كل عام من بيت المال مائة دينار، وكان يكتب إلى عماله أن يأخذوا بالسنة، ويقول: إن لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله، وكتب إلى سائر البلاد أن لا يركب ذمي من اليهود والنصارى وغيرهم على سرج، ولا يلبس قباء ولا طيلسانا لا السراويل. ولا يمشين أحد منهم إلا بزنار من جلد، وهو مقرون الناصية، ومن وجد منهم في منزله سلاح أخذ منه. وكتب أيضا أن لا يستعمل على الأعمال إلا أهل القرآن، فان لم يكن عندهم خير فغيرهم أولى أن لا يكون عنده خير. وكان يكتب إلى عماله: اجتنبوا الأشغال عند حضور الصلاة، فان من أضاعها فهو لما سواها