إياس نائب حلب محتاطا عليه، فاجتمع بالنائب في دار السعادة، ثم أدخل القلعة مضيقا عليه، ويقال إنه قد فوض أمره إلى نائب دمشق، فمهما فعل فيه فقد أمضى له، فأقام بالقلعة المنصورة نحوا من جمعة، ثم أركب على البريد ليسار به إلى الديار المصرية، فلم يدر ما فعل به.
وفي ليلة الاثنين ثالث شهر ذي القعدة توفى الشيخ الحافظ الكبير مؤرخ الإسلام وشيخ المحدثين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان الذهبي بتربة أم الصالح وصلى عليه يوم الاثنين صلاة الظهر في جامع دمشق ودفن بباب الصغير، وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه ﵀.
وفي يوم الأحد سادس عشر ذي القعدة حضرت تربة أم الصالح رحم الله واقفها عوضا عن الشيخ شمس الدين الذهبي، وحضر جماعة من أعيان الفقهاء وبعض القضاة، وكان درسا مشهودا ولله الحمد والمنة، أوردت فيه حديث
أحمد عن الشافعيّ عن مالك عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال:«إنما نسمة المؤمن طائر معلق في شجر الجنة حتى يرجعه إلى جسده يوم يبعثه» وفي يوم الأربعاء تاسع عشره أمر نائب السلطنة بجماعة انتهبوا شيئا من الباعة فقطعوا إحدى عشر منهم، وسمر عشر تسميرا تعزيرا وتأديبا انتهى والله أعلم.
[ثم دخلت سنة تسع وأربعين وسبعمائة]
استهلت وسلطان البلاد المصرية والشامية الملك الناصر ناصر الدين حسن بن الملك المنصور ونائبة بالديار المصرية الأمير سيف الدين يلبغا، ووزيره منجك، وقضاته عز الدين بن جماعة الشافعيّ وتقى الدين الاخنائى المالكي، وعلاء الدين بن التركماني الحنفي، وموفق الدين المقدسي الحنبلي، وكاتب سره القاضي علاء الدين بن محيي الدين بن فضل الله العمرى، ونائب الشام المحروس بدمشق الأمير سيف الدين أرغون شاه الناصري، وحاجب الحجاب الأمير طيدمر الإسماعيلي، والقضاة بدمشق قاضى القضاة تقى الدين السبكى الشافعيّ، وقاضى القضاة نجم الدين الحنفي، وقاضى القضاة جلال الدين المسلاتي المالكي، وقاضى القضاة علاء الدين بن منجا الحنبلي، وكاتب سره القاضي ناصر الدين الحلبي الشافعيّ، وهو قاضى العساكر بحلب، ومدرس الأسدية بها أيضا، مع إقامته بدمشق المحروسة، وتواترت الأخبار بوقوع البلاء في أطراف البلاد، فذكر عن بلاد القرم أمر هائل وموتان فيهم كثير، ثم ذكر أنه انتقل إلى بلاد الفرنج حتى قيل إن أهل قبرص مات أكثرهم أو يقارب ذلك، وكذلك وقع بغزة أمر عظيم، وقد جاءت مطالعة نائب غزة إلى نائب دمشق أنه مات من يوم عاشوراء إلى مثله من شهر صفر نحو من بضعة عشر ألفا، وقرئ البخاري في يوم الجمعة بعد الصلاة سابع ربيع الأول في هذه السنة، وحضر القضاة وجماعة من الناس، وقر أربعة بعد ذلك المقرءون، ودعا الناس برفع الوباء عن البلاد، وذلك أن الناس لما بلغهم من حلول هذا المرض